في حارة ضيقة للغاية في حي السيدة زينب الشعبي في القاهرة، وتحديداً "حارة موتغ"، ومن بيت اثري كبير، هو بيت "السناري" الذي كان مقراً للمجمع العلمي الذي اقامه بونابرت في مصر حين جاءها غازياً، من هذا المنزل خرجت مجلدات ورسوم "وصف مصر" وهو اعظم عمل موسوعي يؤرخ للاحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر في القرن الثامن عشر. وقد اضفى ذلك على المنزل اهمية تاريخية لاحد لها، وهو بخلاف ذلك تحفة معمارية رائعة تبرز نفائس الفن الاسلامي الجميل. وقد انتهت وزارة الثقافة من اعادة ترميمه بمساهمة من اليونسكو، وتحت اشراف احد كبار المرممين الفرنسيين، وذلك بشكل يليق ومكانته الفنية والتاريخية. بيت النساري أنشأه ابراهيم كتخدا السناري عام 1794م - 1209ه، وهو تاجر سوداني جاء الى مصر، وعاش فيها قبيل دخول الحملة الفرنسية مصر عام 1798، وكان يعمل في تجارة التوابل والغلال، وكان موالياً للمماليك، وتقرب الى كل من مصطفى بك الكبير والامير مراد بك، واصبح اغنى اغنياء المماليك في نهاية القرن الثامن عشر، ولقب ب"كتخدا" اي محافظ وتوفي عام 1216ه، ودفن في مدينة الاسكندرية. بنى السناري منزله في موقعه الحالي بالقرب من قناة قديمة، وحدائق محيطة فأطلق على منزله اسم "بيت النزهة". ولا يعلم احد كيف ترك السناري منزله، واين ذهبت اسرته. ومن المرجح ان جنود الحملة استولوا عليه، إذ اتخذه العالم، "مونغ" اشهر علماء الحملة مقراً للمجمع العلمي آنذاك. ونسبة اليه اطلق الاهالي على حارتهم اسم "حارة مونغ" وما زالت تعرف بهذا الاسم. تحفة معمارية ولا تقتصر اهمية المنزل على كونه مقراً للجنة العلوم والفنون الفرنسية اثناء احتلال نابليون، إذ كتبت مجلدات وصف مصر وتحوي اندر الصور الاثرية في مختلف انحاء مصر خلال القرن الثامن عشر، إضافة الى 121 منزلاً شهد جهود شامبليون المبكرة لفك رموز حجر رشيد. والمنزل نموذج متكامل لعمارة المنازل العثمانية، إذ يحتوى على المقعد والممر المنكسر الذي يحمي حرمة المنازل من المارين. ويتكون المنزل من واجهة بسيطة تحتوي على مشربية كبيرة. وتحيط بالفناء مشربيات ونوافذ بديعة التكوين، وتتوسطه نافورة للمياه من الرخام آية في الجمال والروعة، كانت تستخدم لترطيب جو المنزل واضفاء لمسة جمالية. وفي المنزل مقعد له باب غني بالزخارف ويؤدي سلمه الى بابين الايمن يصل الى غرفة البيت والقاعة الكبيرة والحمام، اما الباب الايسر فيؤدي الى الجناح الشرقي. وعلى رغم ذلك يحمل المنزل جانباً من الاثر المعماري للمماليك، والذي يتمثل في "ملقف الهواء" وهو تكييف طبيعي من اختراع المماليك، ويتكون من فتحة مثقوبة اعلى السقف لادخال الهواء على هيئة تيارات قوية تلطف درجة الحرارة صيفاًً. وقد استخدم في بناء جدران المنزل الخشب والحجر فقط اي أنها "جدران حاملة" وكانت تحيط بالمنزل وقت انشائه حديقة كبيرة، إلا أنها اختفت نتيجة الزحف العمراني. وسجل المنزل عام 1951 بقرار من رئيس مجلس الوزراء وقتذاك وكانت من قبل تسكنه بعض العائلات التي أستأجرت المكان. ولكن بعد تسجيله كان تم اخلاؤه واجراء عدد من اعمال الترميم، ثم استغلت احدى ادارات الفنون التشكيلية حجراته في الانشطة كأعمال التطريز والزخرفة. ويشغل جزءاً من المنزل، معهد الحرف التابع لهيئة الآثار. ولكن استخدام الورش والماكينات الثقيلة كانت تهدد سلامة المنزل لذلك تم نقل المعهد الى مكان خلف مسجد الرفاعي لتبدأ اعمال الترميم تحت اشراف مرمم فرنسي، ثم تعيينه من اليونسكو، وهو الذي رمم منزل الهوارى القريب من الازهر. وتضمّ عملية ترميم منزل السناري معالجة التصدعات والشروخ والجدران وهبوط اجزاء الارضيات، وتجديد كل شبكات الصرف الصحي في المنطقة بمساعدة من محافظة القاهرة، إذ ان منسوب المياه الجوفية وصل داخل المنزل الى نحو 60سم نتيجة وقوع المنزل في منطقة منخفضة في الشارع. هذه المياه ادت الى نسبة عالية من الرطوبة في الجدران فحدثت الشروخ والتآكلات في الوحدات الزخرفية. ومن ضمن الافكار المطروحة بعد الانتهاء من ترميم بيت السناري ان يتم تحويله إلى متحف لتاريخ مصر في فترة الحملة الفرنسية، كي يحوي المطبعة، وكتاب وصف مصر، مع عرض صور لانشطة الحملة وحجر رشيد.