لم يجد رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك تبريراً لسحب معظم أفراد جيشه من الجنوب اللبناني المحتل إلا بالإشارة الى قرار اتخذته حكومته تنفيذاً للقرار الدولي 425 وليس جراء الضربات التي وجهها حزب الله. وبعد اجتماع عقده باراك الليلة قبل الماضية للمجلس الوزاري المصغر، وتقرر فيه تخويل رئيس الوزراء تحديد الموعد الرسمي للانسحاب من الجنوب قال باراك: "إن حزب الله يحاول ان يظهر كمنتصر أجبر اسرائيل على الهرب... وهذا ليس صحيحاً فالانسحاب جاء بعد دراسة معمقة للاوضاع ومن أجل إنهاء المحنة". وتابع انه كان توقع مسبقاً السيناريوهات المرافقة للانسحاب بما في ذلك التفكك في صفوف الميليشيات المتعاونة مع اسرائيل. وهدد باراك بأن الرد على أي مساس باسرائيل بعد العودة الى الحدود الدولية "سيكون مؤلماً جداً ولن يقتصر على المناطق المحاذية لهذه الحدود". وأمضى رئيس الوزراء الاسرائيلي امس في مشاورات مكثفة مع مستشاريه السياسيين والعسكريين لمتابعة التداعيات المرافقة للانسحاب الذي يعتقد انه تم تقريباً رغم ان الأوساط الاسرائيلية تقول أنه جار ويستغرق إكماله أياماً عدة. وفي مواجهة المعارضة اليمينية التي استغلت الانسحاب ووصفته بالجبان، وطالبت على لسان رئيسها ارييل شارون بتوجيه ضربات جوية فورية الى لبنان وسورية كي تمارسا ضغطاً على حزب الله ليحجم عن قصف شمال اسرائيل بعد اكمال الانسحاب، قال باراك انه سيتبين للاسرائيليين بعد ان ينقشع الضباب ان قرار الانسحاب كان هو الأسلم والأصوب. واجتمعت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست امس واستمعت الى تقرير من رئيس أركان الجيش الاسرائيلي شاؤول موفاز الذي حذر من ان جيشه سيرد بعنف على أي هجوم يتعرض له خلال عملية الانسحاب وان الرد سيستهدف مصالح سورية ولبنانية. وتابع انه اعد تشكيلة من الأهداف والمصالح السورية واللبنانية التي ستضرب اذا تواصلت هجمات المقاومة. وصدرت تهديدات مماثلة من وزير الخارجية الاسرائيلي ديفيد ليفي في مؤتمر صحافي عقده بعد لقاء مع السفير الاميركي مارتن انديك، اذ قال ليفي ان الحكومة اللبنانية ستكون مسؤولة عن أي هجوم يقع على اسرائيل من اراضيها "وإذا قيل ان هذه الحكومة ضعيفة، فهذا يعني ان هناك قوة أخرى تقف وراء حزب الله وهنا ستعرف اسرائيل كيف ستتعامل معها". اما السفير انديك فقد أكد دعم واشنطن لتل ابيب في قرار الانسحاب معتبراً ذلك وفاء من جانب اسرائيل لنصيبها في القرار 425 ومطالباً لبنان وسورية بالوفاء بنصيبهما. واعترف ضباط عسكريون بأن هزيمة حقيقية لحقت بالدولة العبرية على يد المقاومة اللبنانية. ووجه سكان المستوطنات الشمالية الذين فضلوا انسحاباً عبر اتفاق سياسي مع لبنان وسورية يضمن أمنهم انتقادات عنيفة للحكومة ولم يخفوا خشيتهم من توالي الهجمات الصاروخية بعد ان أصبحوا أهدافاً مكشوفة لحزب الله الذي تشاهد اعلامه من نوافذ المنازل الاسرائيلية. ونقل عن رئيس بلدية كريات شمونة، المستوطنة الأكثر تعرضاً لضربات حزب الله ان الاجراءات الأمنية المتخذة للحماية غير كافية وان من غير المعقول "ان تجري احتفالات تسمع فيها الأهازيج في الجانب الآخر من الحدود فيما سكان الشمال يقضون وقتهم في الملاجئ". ويأتي ذلك في وقت نزح فيه نصف سكان كريات شمونة والآلاف من سكان المستوطنات المجاورة والقريبة من الحدود نحو مناطق أكثر أمناً رغم التطمينات الصادرة عن المستوى السياسي في اسرائيل والجولات التشجيعية التي يواصل المسؤولون القيام بها ومن بينها جولة لرئيس الدولة العبرية عيزر وايزمان الذي انتقد المهاجرين وكذلك وزير السياحة آمنون شاحاك الذي قال ان "الشريط الأمني لم ينجح في وقف الهجمات الصاروخية وان الردع الاسرائيلي وحده يفعل ذلك". وتدفق مئات من أفراد "جيش لبنان الجنوبي" العميل لاسرائيل وبعض أبناء عائلاتهم الى اسرائيل عبر بوابة فاطمة وانتظروا ساعات طويلة بعضهم يومين حتى سمح لهم بدخول اسرائيل بعد ان تم تصنيفهم وعلقت على رقابهم لوحات معدنية تحمل الاسم والرقم ونقلوا في باصات الى منتجع أمنون على الساحل الشمالي الشرقي لبحيرة طبرية حيث أقيم لهم مخيم خاص ومنعوا من مقابلة الصحافيين. وأعلن وزير الداخلية الاسرائيلي أنهم سيمنحون تصاريح للإقامة والعمل في اسرائيل.