نفض المثقفون المصريون عن أنفسهم اتهامات السلبية والتخاذل وباشروا أول هجوم مضاد ضد الحملة على رواية "وليمة لأعشاب البحر"، وشهد مقر دار القضاء العالي حيث يوجد مكتب النائب العام المستشار ماهر عبدالواحد تظاهرة شارك فيها نحو 200 منهم اعلنوا تضامنهم مع رئيس تحرير سلسلة "آفاق الكتابة" التي صدرت عنها الرواية الأديب إبراهيم أصلان ومدير تحرير السلسلة حمدي أبو جليل اللذين يواجهان تهمة "ترويج مطبوعة تدعو الى العيب في الذات الإلهية". وعلى رغم ان التعاطي مع قرار لجنة شؤون الاحزاب تجميد حزب "العمل" ووقف صحيفة "الشعب" التي كانت فجرت قضية الرواية دخل اجراءات تنفيذية، اذ تسلم المدعي العام الاشتراكي المستشار جابر ريحان أمس من اللجنة الشكاوى التي تلقاها من المتنازعين على رئاسة الحزب، إلا أن تساؤلات طرحت عما إذا كانت الضربة التي وجهت الى حزب "العمل" سيعقبها فوز لجناح المثقفين المعترضين على إحالة المسؤولين عن نشر الرواية على النيابة. وقرر حزب "العمل" مواصلة نشاطه السياسي والتنظيمي، بعد يوم واحد من قرار لجنة الأحزاب في مصر عدم الاعتداد بشرعية رئاسة الحزب، ووقف إصدار صحيفة "الشعب". ويعد قرار الحزب بمثابة مناورة استكشافية لرد فعل لجنة الأحزاب، وتحدياً لقرارها، الذي وإن لم ينص صراحة على تجميد الحزب، إلا انه أشار الى عدم الاعتداد بالمتنازعين على رئاسته، حتى يتم حسم الصراع رضاءً أو قضاءً، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ومنها وقف إصدار صحيفة "الشعب" لكنه لم يوضح ما المقصود بالآثار المرتبة على القرار. وكانت اللجنة التنفيذية ل"العمل" عقدت اجتماعاً طارئاً أمس برئاسة المهندس إبراهيم شكري رئيس الحزب. وشهد الاجتماع نسبة حضور عالية، وخصص لمناقشة التطورات الاخيرة من الناحيتين القانونية والسياسية. وعزا أمين الحزب السيد عادل حسين قرار مواصلة النشاط الى ان "نص قرار لجنة الأحزاب غامض، ولم ينص على التجميد، وطبقاً لتفسيرنا لا يوجد ما يمنع استئناف النشاط السياسي والقانوني". وقال ل "الحياة"، عقب انتهاء الاجتماع، إن "تحركات الحزب ستظل في الأطر القانونية، ولن تلجأ إلى أساليب عنف"، مشيراً الى أن "قادة الحزب لن يلجأوا الى تنظيم اعتصامات او اضراب عن الطعام في المرحلة الحالية"، واضاف: "سننتظر الرد على قرارنا استئناف النشاط، وفي حال منعنا فلكل حادث حديث". ولم تخل تظاهرة المثقفين أمس من مظاهر احتفالية ذكّرت بالتظاهرات التي جرت في مسرح البالون عام 1994 عقب محاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ. وسلم ممثلون عن المتظاهرين النائب العام مذكرة وقع عليها مئة مثقف تبنوا فيها "مسؤولية التحريض على نشر الرواية في مصر" وتأكيد التضامن مع أصلان وأبو جليل. وطالب المثقفون في المذكرة "التحقيق معهم في التهمة المنسوبة الى الاثنين في حال اعتبار ان نشر الرواية يشكل جرماً طبقاً لقانون العقوبات". وأحال المستشار عبدالواحد المذكرة على نيابة أمن الدولة العليا التي تباشر التحقيق في القضية. وتحدثت الى "الحياة" عدد من المشاركين في التظاهرة فأكدوا ان تحركهم "يهدف الى تشكيل رأي عام معارض لكل الاجراءات التي يمكن ان تؤثر على حرية التعبير في مصر". وكان من بين الحضور الشاعر أحمد فؤاد نجم والروائيون: رضوى عاشور وصنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني وسليمان فياض وابراهيم عبدالمجيد والكاتبة فتحية العسال ومن الفنانين التشكيلين: عادل السيوي وفاطمة اسماعيل ومن الاكاديميين واساتذة الجامعات الدكتورة هالة فؤاد والدكتورة منى طلبة ووقع على المذكرة فنانون بينهم المخرج يوسف شاهين وداود عبد السيد والشاعران احمد عبدالمعطي حجازي وفاروق شوشة والروائي بهاء طاهر. وظهرت مؤشرات على رغبة رسمية في طي صفحة الأزمة التي فجرتها الرواية. إذ قررت نيابة أمن الدولة إسقاط التهم التي وجهت من قبل الى 75 من طلبة وطالبات جامعة الازهر الذين اطلقوا الاسبوع الماضي بعد تدخل رئيس الجامعة الدكتور أحمد عمر هاشم بعد أيام قضوها رهن الحبس الاحتياطي لاتهامهم بالمشاركة في التظاهرات التي خرجت من الجامعة للاحتجاج على الرواية. وجاءت الخطوة عقب قرار رئاسي صدر بسفر 5 من الطلاب كانوا أصيبوا جراء المصادمات التي وقعت مع قوات الأمن الى المانيا للعلاج على نفقة الدولة. واعتبر وزير الداخلية السيد حبيب العادلي في مؤتمر صحافي عقده مساء أول من أمس مع نظيره التركي سعد الدين طانطان، الذي يزور مصر حالياً، أن الطلبة تظاهروا "للتعبير عن وجهة نظر بعضهم تجاه الرواية ورفضهم ما تناولته الرواية استناداً إلى أنه يمس بعض المعتقدات الدينية"، وقال: "اذا كان بعض المتطرفين يستغلون الدين في اتجاهات متفرقة فإن هذه الظاهرة موجودة في أي موقع دراسي آخر". وعكس بيان أصدرته جماعة "الاخوان المسلمين" مساء أمس ما لحق بالتنظيم من خسارة فادحة لجهة الاجراءات التي طالت حزب "العمل"، إذ شدد بيان للجماعة على أن "قواعد الديموقراطية الصحيحة تقضي ان يُترك الحكم على أي حزب للرأي العام وحده من خلال انتخابات حرة نزيهة"، معتبراً أن "بيان الازهر الذي دان الرواية كان يستدعي وقفة مع الجهات التي روجتها"، ورأى أن "اخضاع حشود أو جماعات وهمية لاحتلال مقار حزب قانوني والايحاء بأن هناك أجنحة للحزب لها قواعد شعبية أمر فيه استهانة بالرأي العام"، وناشد البيان القيادة السياسة "إعمال حكمتها في التصحيح واتباع أسلوب الحوار سبيلاً للالتقاء على ما فيه الخير لمصر بدلاً من أي اجراءات قمعية لها آثارها السلبية وغير المقبولة".