أصيبت أوساط الإسلاميين في مصر بصدمة شديدة لقرار لجنة شؤون الأحزاب بتجميد نشاط حزب العمل ووقف صحيفته "الشعب" التي قادت الحملة على رواية "وليمة لاعشاب البحر" للروائي السوري حيدر حيدر. وعلى رغم أن القرار كان متوقعاً، إذ سبقته حملة على الحزب قامت بها صحف قومية، ووضعت سيناريوهات لوقف نشاطه، امل بعض الإسلاميين في أن يكون البيان الذي اصدره "مجمع البحوث الإسلامية" وحمل توقيع شيخ الأزهر دعما للحزب، وتاليا تخفيف الحملة عليه. والمؤكد أن الخسارة التي منيت بها جماعة "الإخوان المسلمين" التي دخلت منذ العام 1987 في تحالف مع الحزب ساهم في توطيد دعائم الجناح الإسلامي داخله جاءت فادحة. لكن القطب البارز في الجماعة النائب السابق الدكتور عصام العريان رأى أن قرار تجميد الحزب بعد أقل من يومين على صدور بيان الأزهر "يعكس هشاشة سياسة الحكومة"، ووصف القرار بأنه "خاطئ من حيث التوقيت" مؤكداً أنه استند الى "اسباب غير حقيقية"، وتساءل: "هل يعقل أن يجمد حزب سياسي شرعي ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين والعالم كله يتجه نحو تحمل عيوب الديموقراطية لكونها مهما كانت اخطاؤها افضل من الديكتاتورية؟"، واعتبر العريان أن "حزب العمل لم يضرب فقط وإنما ضربه معه تيار كامل التيار الاسلامي. وحتى إذا اختلفنا مع معالجات صحيفة الشعب لبعض القضايا فإن توقيت صدور القرار وضع علامات استفهام على مصير الانتخابات البرلمانية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبرالمقبل، وما قد يعقبها من انتخابات لمجالس نقابات مهنية أخرى". وأضاف: "رغم أن قرار لجنة شؤون الأحزاب لم يستند أو يشر إلى مسألة حملة الشعب على رواية وليمة لأعشاب البحر إلا أن القرار يرسخ الاعتقاد لدى الناس بان الدولة ضربت حزب العمل وصحيفته لكونهما دافعا عن الإسلام"، مستغرباً تجميد نشاط الحزب على الرغم من أن بيان الأزهر "أيد كل ما قالته الشعب حول الرواية". وتطرق العريان إلى الخسارة التي لحقت ب"الإخوان" من جراء القرار. وقال: "قد تكون خسارة الإخوان ملموسة نظراً لوجود تحالف بينهم وبين الحزب ولكون صحيفة الشعب تولت نشر مقالات قادة الجماعة". واعتبرأن "الحكومة هربت من الأزمة الحقيقية التي تتعلق برواية مسيئة للإسلام روجت عن طريق وزارة الثقافة وجاء الأزهر ليؤيد كل ما قيل عن الرواية بل يزيد عليها بأنها تحمل مخالفات دينية وسياسية وأخلاقية". واكدالمهندس ابو العلا ماضي النشق عن "الاخوان"رفضه "استخدام أي اساليب غير ديموقراطية للتعاطي مع الأحزاب". وأبدى اعتراضه على تدخل لجنة شؤون الأحزاب في الخلاف الدائر على رئاسة حزب العمل، واعتبر أن قرارها الأخير "غير شرعي". وقال: "هناك مؤتمر عام للحزب يجب أن تكون الكلمة الأخيرة له وإذا كان المؤتمر الأخير للحزب برئاسة المهندس ابراهيم شكري طعن فيه من بعض المنشقين فإن المؤتمرين اللذين عقدهما فريقان من المنشقين مطعون في صحتهما أيضاً". ورفض محامي الجماعات الإسلامية في مصر السيد منتصر الزيات الربط بين البيان الذي اصدرته أخيراً "الجماعة الإسلامية" والتصريحات التي أدلى بها القيادي البارز في التنظيم رفاعي أحمد طه والتي تضمنت هجوماً على وزير الثقافة وقرار لجنة شؤون الأحزاب تجميد نشاط العمل ووقف صحيفته. ولفت إلى أن "الشعب" لم تنشر سطراً واحداً من تصريحات طه ولم تشر إلى بيان "الجماعة الإسلامية"، وقال: "اعتقد أن المسؤولين في الحزب حرصوا على ألا يربطوا أنفسهم بالاسلاميين الراديكاليين". واعتبر الزيات أن قرار تجميد الحزب "دعم إلى حد كبير حجج الاصوليين الذين رفضوا التجاوب مع دعاوى العمل الحزبي كوسيلة لممارسة النشاط السياسي". كما اجمعت الاحزاب المصرية، على "استنكار" قرار "تجميد" حزب العمل، وإن اختلفت في تحليل أسباب هذه التطورات، لكنها اتفقت على أن الإصلاح السياسي الشامل، علاج جذري، لمنع تكرار هذه الأزمات. واصدر المكتب السياسي لحزب التجمع أمس بياناً حمل فيه حزب العمل وقوى في "السلطة" مسؤولية الأزمة، ولفت إلى أن "صحيفة الشعب اختارت لأسباب حزبية ضيقة الزج بالمجتمع في أزمة مفتعلة وتهديد السلام الأهلي، وقادت حملة تتارية ضد حرية الرأي"، لكنه اكد "الاعتراض على قرار لجنة الأحزاب"، ولفت إلى أن "القانون العام كفيل بالتصدي للحملة الإرهابية التي شنتها صحيفة الشعب". واعرب الحزب الناصري عن قلقه من التطورات الأخيرة، محذراً من "خسارة كل الأطراف وفي مقدمها الديموقراطية". ودعا إلى "احترام الحوار، والابتعاد عن الزعم بامتلاك الصواب، والكف عن استعمال الألفاظ والتعبيرات الخشنة"، مشدداً على "رفض تدخلات الإدارة في شؤون الأحزاب" ودعا إلى "تأييد رئاسة ابراهيم شكري الشرعية للحزب". واكتفى حزب الوفد، بإصدار تصريح لزعيمه السيد فؤاد سراج الدين، أكد فيه "استنكاره إجراءات لجنة شؤون الأحزاب ورفضه لها"، ووصفها بأنها "تتنافى مع الشرعية والديموقراطية". واعتبرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن "ما جرى في مصر انتهاك صارخ للحياة الحزبية والديموقراطية".