أحدث بيان "مجمع البحوث الاسلامية" الذي تضمن الرأي الشرعي للأزهر في رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر ردود فعل واسعة في الاوساط المصرية. وجاء وقع البيان على المثقفين المصريين شديداً إذ اصيبوا بالصدمة لكونه خلص الى النتيجة نفسها التي انتهى اليها سابقا القائمون على الحملة على الرواية في حزب العمل ذي التوجه الاسلامي وصحيفة "الشعب". وكان رئيس الوزراء الدكتور عاطف عبيد أحال الاسبوع الماضي قضية الخلاف على نشر الرواية في مصر على شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي الذي عاد من السعودية أول من أمس كما احال عليه تقريراً أعدته لجنة علمية تضم مثقفين واكاديميين رأوا أن الرواية "لا تحوي اساءات الى الاسلام أو خروجاً على الأخلاق العامة" وانتقدوا "اقتناص اجزاء من الرواية وردت على لسان أحد شخوصها لمجرد ادارة معركة سياسية". وينتظر ان يتخذ رئيس الوزراء قراراً في شأن بيان الأزهر. وأفادت مصادر مطلعة أن عبيد سيحيل البيان على نيابة أمن الدولة التي باشرت الاسبوع الماضي تحقيقاتها في القضية واخضعت أربعة من المسؤولين عن نشر الرواية للتحقيق وهم: رئيس هيئة قصور الثقافة الناقد علي ابو شادي والمدير العام للنشر الشاعر محمد كشيك ورئيس تحرير سلسلة "افاق الكتابة" التي صدرت عنها الرواية الأديب ابراهيم اصلان ومدير تحرير السلسلة القاص حمدي أبو جليل. وكانت النيابة وجهت تهمة "نشر مطبوعة تدعو الى العيب في الذات الألهية" الى اصلان وابو جليل. وأعربت مصادر قانونية عن اعتقادها بان رأي الأزهر وضع اصلان وأبو جليل في مأزق وصار أمر احالتهما على المحاكمة من دون حفظ القضية مرجحاً. وناقشت النيابة أمس اعضاء اللجنة العلمية الذين أعدوا تقريراً حول الرواية وهم الدكتور عبدالقادر القط والدكتور صلاح فضل والكاتب كامل زهيري والدكتور مصطفى مندور والدكتور عماد بدرالدين ابو غازي. وكان التقرير اعتبر ان اعادة نشر الرواية "لا يمكن ان يعد مساساً بالدين ولا يجوز محاكمتها من منطق غير أدبي وما قيل عنها فيه تجن كبير عليها وتحريف لمواضعها وتجاهل لقيمتها الفنية المتميزة". وذكر هؤلاء أن ما نسب الى الرواية من عبارات قد تبدو في الظاهر أنها يمكن أن تمس شعور القارئ العادي لما يظن أنه مساس بالدين أو طعن في القرآن وتعريض بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم" هو من قبيل سوء فهم الفن الروائي، وتحريف عبارات وانتزاعها من سياقها وتجاهل ما يرد في النص ذاته من رد عليها من شخصيات مخالفة". وأشاروا الى أن "إهمال الاشارة الى رد فعل الشخصية المقابلة واعتبار كلامها لوثة عقل مختل يصبح من قبيل "ولا تقربوا الصلاة" ولفتوا إلى أنه "حتى في الكتابة غير الأدبية فإن من يروي الكفر ليس بكافر" وان القرآن الكريم "مليء بأقوال الملحدين والكفار الواردة في سياق الرد عليها وتفنيدها". وكان بيان الأزهر لفت الى ان وزارة الثقافة لم تستطلع رأيه ومجمع البحوث الاسلامية "على رغم ما ورد في الرواية من أمور كثيرة تتصل بالاسلام والعقيدة والشريعة" واشار الى أن "القانون الرقم 103 الصادر العام 1961 في شأن اعادة تنظيم الازهر نص على أن الأزهر "هو وحده صاحب الرأي الملزم لوزارة الثقافية في تقدير الشأن الاسلامي للترخيص ورفض الترخيص بالنشر". وأن شيخ الأزهر ومجمع البحوث الاسلامية وما يتبعه من إدارات "هو صاحب الولاية في فحص المؤلفات والمصنفات التي تتعرض للاسلام لإبداء الرأي فيها". وذكر البيان أن الرواية "مليئة بالألفاظ والعبارات التي تحقر وتهين جميع المقدسات بما في ذلك ذات الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم واليوم الآخر والقيم الدينية". ثم رصد مقاطع من الرواية للدلالة على النتيجة التي وصل اليها. ورأى أن الرواية "تحرض على الخروج عن الشريعة الاسلامية وعدم التمسك بأحكامها وذلك بالدعوة الى ضرورة الانفصال عن الدين والله والاخلاق والتقاليد والجنة والجحيم وطاعة أولي الأمر والوالدين والزواج المبارك بالشرع". كما رأى أن الرواية "خرجت عن الآداب العامة خروجاً قاطعاً وذلك بالعودة الى الجنس غير المشروع واستعمال الألفاظ في الوقاع واعضائه الجنسية للذكر والأنثى بلا حياء" وشدد على أن الرواية "انتهكت الحياة العامة ولم تكتف بذلك بل حرضت صراحة على اهانة جميع الحكام العرب ووصفتهم بأقبح واقذر الأوصاف، وطالبت بالخروج عليهم والثورة ولو بإراقة الدماء". وحمل البيان المسؤولين عن نشر الرواية الذين لم يستطلعوا أهل الاختصاص "المسؤولية الكاملة عن ذلك التجاوز والآثار المرتبة عليه دينياً واجتماعياً"، وفسر مراقبون العبارة الاخيرة بانها دعوة الى محاكمة كل المسؤولين عن اعادة نشر الرواية. وأستغرب أصلان ما جاء في بيان الأزهر ورأى أن الطريقة التي تعامل بها مجمع البحوث مع الرواية في ذاتها التي تعاملت بها صحيفة "الشعب" معها. ولفت الى أن سلسلة "آفاق الكتابة" اصدرت أكثر من 40 كتاباً من دون أن تعرضها على الأزهر ولم يتحدث أحد وقتها عن ضرورة عرض اصداراتها على مجمع البحوث الاسلامية أو أي جهة أخرى. وقال اصلان ل"الحياة" "إنها المرة الاولى التي اسمع فيها ان هناك قانوناً يلزم عرض الاعمال الأدبية على الازهر. واذا كان عرض الكتب علي الازهر جائزاً بالنسبة للمواضيع الدينية فإن الاغرب بالنسبة للاصدارات الأدبية لا يجوز". وأبدى مثقفون مصريون اعضاء في نادي القلم الذي يترأسه الأديب نجيب محفوظ قلقاً بالغاً "للطريقة التي تداعت بها الامور في قضية الرواية" واستغربوا "استجابة الدولة للتحريض السافر الصادر عن صحيفة الشعب" واعتبروا أن الموقف الحكومي من القضية "كان وراء احالة اصلان وابوجليل على النيابة". وقال بيان أصدره هؤلاء "اننا نؤكد التزامنا الدفاع عن حرية الفكر والإبداع والتعبير لكننا نلفت الى خصوصية الإبداع الفني والأدبي وعدم جواز الحكم على الاعمال الأدبية بالمعايير نفسها التي يتم التعامل بها مع الكتابة السياسية والاخبارية المباشرة". واضاف البيان: "ان وظيفة العمل الروائي هي نقد الحياة وتعميق الوعي الجمالي بها ومع تفهم أهمية احترام المشاعر الدينية والقيمية المستقرة في المجتمع فإنه لا يجوز اجتزاء عبارة عن عمل روائي وفهمها خارج سياقها".