هدد الصراع في كارغيل طيلة الاشهر الثلاثة الماضية منطقة جنوب شرقي آسيا بحرب نووية تكون الأولى من نوعها منذ هيروشيما. وكانت حكومة نواز شريف في باكستان اكدت انها لن تتردد عند الضرورة وفي حال نشوب حرب شاملة في استعمال السلاح النووي الذي حصلت عليه اخيرا. لكن الصراع ما لبث ان توقف، وفي ظروف غامضة تشابه غموض بدايته. فقد اعلن رئيس وزراء باكستان في واشنطن انه سيضمن انسحاب الباكستانيين من المناطق عبر خط السيطرة، الا ان الناطق الرسمي باسمه في العاصمة الباكستانية أصدر تصريحات مغايرة. مع ذلك ليس ما يمكن ان يغطي الحقيقة الواضحة، وهي ان كارغيل كانت الخطأ الأكبر الذي ترتكبه باكستان. وكانت البلاد خسرت جناحها الشرقي في 1971 بسبب العدوان الهندي عام 1971، وأمكن دوما تحميل الهند المسؤولية. اما كارغيل فليس من مسؤول عنها سوى باكستان لوحدها. بدأ الصراع في كارغيل عندما احتل مسلحون تساندهم باكستان مواقع لا أمل لهم في الاحتفاظ بها، فيما اضطرت باكستان الى الانسحاب المشين من القمم، بعدما وجدت نفسها معزولة امام الرأي العام الدولي الذي حملها المسؤولية. وعندما اعلن رئيس الوزراء الانسحاب من تلك المناطق الجبلية، لم يكن ذلك من مقره في اسلام آباد، وهو ما كان سيحفظ للبلاد قسطا من كرامتها، بل اختار الهرولة الى الرئيس الأميركي ليتسلم منه اوامر واشنطن. ازاء ذلك استطاعت حكومة الهند، التي اثبتت على كل الاصعدة تفوقها على القيادة الباكستانية، أن تعلن الانتصار بكل ما امكن من التطبيل والتزمير. فيما حصل حزب باراتيا جاناتا على دفعة انتخابية قوية. أما شعب باكستان، الذي كانت الحكومة أكدت له انه في الطريق الى الانتصار، كان نصيبه الخيبة والمهانة. ويأمل الهنود، بعدما عبر العالم عن اعجابه بما ابدوه من "النضج والتعقل"، بأن تنعكس النتيجة ايجابا على محاولتهم الحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن. من الصعب لشعب باكستان ان يدرك، مع الصدمة التي يعيشها الآن، مدى الضرر الذي الحقه النظام بصدقية كفاح كشمير وتأييد باكستان له. فقد قوضت قضية كارغيل تأكيدات باكستان الى الرأي العام العالمي بأن دعمها للمجاهدين لا يتجاوز الصعيد المعنوي. وهناك من يرى أن قضية كشمير اصيبت بضربة لا شفاء منها. ادعى النظام الباكستاني انه خرج منتصرا من الصراع، فقد برهن للعالم على تعلقه بالسلام، ونال احترام المجتمع الدولي عندما امتلك الشجاعة الكافية للانسحاب. ويؤكد النظام أن اتفاق واشنطن دليل على ان قضية كشمير دخلت مرحلة التدويل. ويؤكد نواز شريف ان الحصول على اهتمام الرئيس بيل كلينتون بالقضية مكسب لا يمكن الاستهانة به. لكن الكثيرين يرون ان هذا التفسير لما حصل لا يزيد على ان يكون حملة دعائية تريد تحويل الهزيمة الى انتصار. لكن مهما كان حجم الخطأ المرتكب في كارغيل، ومهما كان من اغتباط الهند بانتصارها والمهانة التي لحقت بباكستان، فان حقيقة الصراع الكشميري تبقى كما هي. فالواقع هو ان رفض سكان كشمير تابعيتهم للهند اطلق ثلاثة من الصراعات المسلحة، كاد الأخير منها ان يتحول الى مواجهة نووية. وعلى رغم اتفاق واشنطن وانسحاب باكستان وانتصار الهند فان قضية كشمير تستمر في تهديد السلام والاستقرار في جنوب آسيا. وتجد الهند ان تكاليف قمعها لشعب كشمير تستمر في الارتفاع، فيما تصيب القضية سمعتها بالضرر على الصعيد الدولي. كما ان محاولتها احتواء مطالب الكشميريين يقودها الى تصعيد متواصل للعنف. لكن مهما كان المديح الذي نالته الهند بسبب "تعقلها" فان استمرارها في الرفض العنيف لاعطاء الكشميريين حق تقرير المصير سيأتيها بعكس المطلوب. وبعد بيانات التحدي التي اصدرها أخيرا "مؤتمر كل الأطراف من اجل الحرية" الكشميري فان الجيش الهندي سيواصل سياسته في احراق القرى التي يشتبه في تعاطفها مع "الناشطين". لكن هل يمكن للعالم الذي اتخذ خطواته الحاسمة ضد مجازر الصرب في البوسنة وكوسوفو ان يواصل لامبالاته تجاه كشمير؟ الحقيقة تشير الى غير ذلك. الرد الهندي هو ان ثورة كشمير من صنع باكستان، وان كارغيل برهنت على ذلك. لكن تقارير وسائل الاعلام الغربية عن مشاعر الكشميريين في معسكرات اللجوء في كشمير وعن الكبت الذي يعاني منه السكان في كشمير التي تحتلها الهند تنقل صورة مغايرة. وقد يرى بعض المحللين ان مشكلة كشمير تختلف عن كوسوفو، لأن الأولى في آسيا والأخيرة في أوروبا. وربما كان هذا صحيحا. لكن الصحيح أيضاً ان المجتمع الدولي سينتبه، من دون شك، الى مشكلة تهدد الوضع في جزء من العالم دخلته اخيراً الاسلحة النووية. أي ان من شأن ترابط القلق الدولي من الانتهاكات البشعة لحقوق الانسان مع القلق على السلام والأمن العالميين ان يسلطا الضوء على القضية. ان التقدم الحقيقي في جنوب آسيا يعتمد الى حد كبير على قدرة الدولتين على بناء علاقات متناسقة تقوم على تلبية مطالب "مؤتمر كل الأطراف من اجل الحرية" الذي يمثل شعب كشمير. وقد يكون هذا صعبا في الظروف الحالية. اذ يشعر شعب الهند، الذي قابل بحماس رحلة رئيس وزرائه الى باكستان حاملا غصن الزيتون، بخيبة امل عميقة، ضاعفت منها ولا شك التوابيت العائدة من خط القتال في كارغيل. كما ان سياسة نواز شريف التي تتلخص بتحقيق الربح من التجارة مع الهند والتهيئة في الوقت نفسه للعمل العسكري ضدها قد اضرت كثيرا بموقف باكستان التفاوضي، واستفادت من هذه السياسة الأوساط الهندية المتشددة الكارهة أصلا للسلام. لكن السلام ضروري للكشميريين ولكل سكان جنوب آسيا والعالم عموما. وستجد الهندوباكستان صعوبة في الاستفادة من الفرص المالية الكثيرة التي يقدمها عالمنا الراهن ما لم تحققا الاستقرار. لكن الاستقرار، وما يجلبه من أمل في مستقبل أفضل، هو ما خسرته الدولتان في المواجهة الاخيرة، على الأقل على المدى القريب. لكن اذا كانت السياسات المخاتلة التي يتابعها النظام الحالي في باكستان قد نالت من صدقيته فان الأمل في التوصل الى السلام في شبه القارة سينتعش مع تسلم قيادة جديدة للسلطة. عند ذلك ستجد الهند، بالنضج الذي ابدته خلال جولة كارغيل وحصلت بسببه على ثناء العالم، التحدي الحقيقي لها في السير على الطريق الى سلام دائم وعادل.