على رغم فشل شركة "الكان" الكندية في تنفيذ مشروعها الضخم للاندماج مع "بيشني" الفرنسية و"آل - غروب" السويسرية وإقامة تحالف ثلاثي مقره مونتريال، إلا أن مسؤولي الشركة أكدوا تحمسهم لموجة مشاريع الدمج ودعم المواقع التي يراها المراقبون محاولة جدية ستؤدي إلى إعادة رسم خريطة صناعة الألومنيوم العالمية، لصالح حفنة أقل من اللاعبين الكبار وتضع صناعة الألومنيوم الخليجية أمام تحديات جديدة تضاف إلى التحدي التقليدي المتمثل في تقلب الأسعار. وقال مسؤول في الشركة ل"الحياة" بداية الأسبوع الجاري: "من المؤسف أن تفشل مبادرتنا أقله جزئياً، إذ لا تزال أمامنا فرصة للاندماج مع "آل - غروب"، لكننا نعتقد ان صناعة الألومنيوم لا تملك إلا أن تنشد التمدد تماشياً مع موجة العولمة التي تكتسح الاقتصاد. وليس خافياً ان زبائن الصناعة يزدادون عولمة مع مطلع كل يوم ما يجعل من المهم دعم قدرتنا بما يمكننا من تلبية احتياجات زبائننا. ومؤكد ان لكل شركة مبرراتها للتمدد، لكن القاسم المشترك يتلخص في محاولة دعم المواقع في الأسواق العالمية". وكانت "الكان" اقترحت مشروع الدمج وأعلنت تفاصيله في اجتماع استثنائي عقد في مونتريال وحضره رؤساء الشركات الثلاث، الذين أوضحوا منذ البداية أن هدفهم يتمثل في إقامة عملاق ضخم تتبلغ مبيعاته السنوية 22 بليون دولار أميركي وفق أرقام 1998 واستثماراته نحو 14 بليون دولار بينها 11 منجماً لصخور "البوكسيت" وعشر مصافي لانتاج اوكسيد الألومنيوم الألومنيوم الخام، إضافة إلى 27 مجمعاً للصهر والسكب يبلغ اجمالي طاقاتها الانتاجية 3.3 مليون طن من المدرفلات الألومنيوم الأولي سنوياً. واعترف رئيس الشركة الكندية جاك بوجي ان بيت القصيد لا يكمن في مسألة الحجم بقدر ما يكمن في المكانة الاستراتيجية، مشيراً إلى أن الشركة الجديدة ستنفرد بقدرتها على انتاج الألومنيوم الأولي بكلفة منخفضة وامتلاك عمليات انتاج تكاملية قادرة على تلبية احتياجات مجمل الصناعات الرئيسية المستهلكة لمنتجات الألومنيوم مثل الطيران والنقل والسيارات وتعليب المشروبات، علاوة على لعب دور رئيسي في منتجات التغليف المستخدمة في صناعة الأدوية والمواد الغذائية ومستحضرات التجميل. وتشكل قدرات الشركة المقترحة، التي تشمل بوجه خاص ما نسبته 5.22 في المئة من عدد المصاهر العاملة في العالم عدا المصاهر الصينية حصيلة القدرات الفردية للشركاء الثلاثة، إلا أن "الكان" التي تعتبر عراب المشروع الاندماجي، تحتل مكانة رئيسية، نظراً إلى ما تملكه من امكانات في مجمل عملية انتاج الألومنيوم. وتمتلك "الكان" بنية تحتية تتألف من ثمانية مناجم تحتوي على 400 مليون طن من صخور البوكسيت و16 مصهراً بلغ اجمالي انتاجها في العام الماضي نحو 7.1 مليون طن منها 5.1 مليون طن من الألومنيوم الخام. وتستخدم غالبية هذه المصاهر التي تتوزع في كندا وبريطانيا والبرازيلوالولاياتالمتحدة مصادر ذاتية لتوليد الطاقة بواسطة المساقط المائية ما يضعها في الثلث الأخير من قائمة كلفة الانتاج. وينتظر ان تضيف الشركة إلى بنيتها التحتية في وقت لاحق من السنة الجارية مجمعاً ضخماً للصهر والصب يجري انشاؤه حالياً في كندا بكلفة 8.1 بليون دولار. ويتوافر لشركة "الكان" انتاج اضافي في مجال إعادة صهر الألومنيوم المستعمل بطاقة تقدر بنحو 900 ألف طن سنوياً، لكنها تخصص كميات قليلة فقط من الألومنيوم الأولي للتسويق فيما توجه الباقي إلى بنية افقية واسعة من عمليات السحب التي انتجت في العام المذكور 1.2 مليون طن من المنتجات التحويلية. ويتوزع انتاج الشركة على المنتجات المستخدمة في صناعة تعليب المشروبات بواقع 45 في المئة ومنتجات صناعة البناء بواقع 17 في المئة ومنتجات النقل والتجهيزات الكهربائية بنسبة تسعة في المئة لكل منهما. وعلى رغم ان الشركة المذكورة تنتج نحو نصف انتاجها من الألومنيوم الأولي في مجمعات المصاهر والمساكب الكندية، إلا أنها تصنع غالبية منتجاتها في مصانع تمتلكها كلياً أو جزئياً في مناطق مختلفة من العالم أهمها حصة بنسبة 50 في المئة من مصنع "نورف" في المانيا الذي تعتبره مركز عملياتها في الاتحاد الأوروبي ومنشآت انتاجية ضخمة في البرازيل، إضافة إلى مصنعين بطاقة 600 ألف طن سنوياً تملكتهما أخيراً في كوريا الجنوبية وبلغت قيمة استثماراتهما نحو 700 مليون دولار. وتسوق "الكان" منتجاتها في 35 بلداً، لكنها تحقق في السوق الأميركية بمفردها نحو 40 في المئة من اجمالي عوائدها التي بلغت في العام الماضي 6.7 بليون دولار، وتأتي في المرتبة الثانية أسواق الاتحاد الأوروبي، إذ تجني 35 في المئة من عوائدها، نصفها تقريباً من السوق الألمانية 18 في المئة ثم أسواق شرق آسيا بنسبة ستة في المئة، وأميركا الجنوبية بنسبة خمسة في المئة، بينما تجني الباقي في السوق الكندية التي تقدم لها نحو 13 في المئة فقط من اجمالي مداخيلها. وبإضافة قدرات الشريكتين الفرنسية والسويسرية إلى قدرات "الكان" الكندية، يصبح الكيان المقترح عملاقاً يتربع على عرش صناعة الألومنيوم العالمية التي تتحكم فيها أصلاً حفنة قليلة من كبار اللاعبين. وسيواجه هذا العملاق منافسة حادة من قبل عمالقة صناعة الألومنيوم الأميركية وفي مقدمهم "الكوا" الومنيوم ومباني أوف أميركا و"رينولدز ميتالز"، لكنه سيكون أكبر منتج لمنتجات السحب في العالم، وسيسيطر على ما نسبته 45 في المئة من أسواق بلدان الاتحاد الأوروبي. إلا أن المشروع الاندماجي اصطدم بطموحات عرابه، إذ أثارت ضخامة العملاق المقترح مخاوف اللجنة الأوروبية المعنية بمشاريع الدمج التي ربطت موافقتها بتخلي "الكان" عن حصتها في مصنع "نورف" الألماني، وهو شرط رفضته إدارة "الكان" كلياً، ما دفع "بيشني" الفرنسية إلى إعلان انسحابها ثم إعلان الشركاء الثلاثة في بيان صحافي أصدروه في منتصف الشهر الماضي بعدم المضي قدماً في مشروعهم وانهاء اتفاقهم، أقله في ما يتعلق بمشاركة "بيشني" في الاندماج الثلاثي. وأكد مسؤولو شركة "الكان" ان الباب لا يزال مفتوحاً للتوصل إلى اتفاق اندماجي مع "آل - غروب"، مشيرين إلى أن هذا الاتفاق حصل على موافقة مشروطة من قبل اللجنة الأوروبية، ولم يثر أي اعتراضات من جانب وزارة العدل الأميركية. وتأمل "الكان" في أن يمكنها المشروع الجديد من تشكيل "لاعب دولي في مجال انتاج الألومنيوم الأولي ومنتجات السحب بمبيعات سنوية تناهز 12 بليون دولار وقدرة على تحقيق وفر في النفقات بما لا يقل عن 150 مليون دولار". لكن الوفر المتوقع تحقيقه من الاندماج المعدل لا يزيد على 25 في المئة فقط من حجم الوفر الذي كان أحد أهم الدوافع وراء اطلاق المشروع الأصلي، ما قلل من حماسة حملة أسهم الشركة السويسرية باعتراف رئيس الشركة الكندية الذي قال في تصريحات للصحافيين في مونتريال الأسبوع الماضي، إنه "يتفهم حاجة حملة أسهم "آل - غروب" لفترة من الوقت للتفكير بالصفقة الثنائية"، مؤكداً في الوقت نفسه اعتزام شركته تقديم عرض لتملك أسهم الشركة السويسرية في منتصف الشهر الجاري. وتزامنت تصريحات مسؤول "الكان" مع استكمال عملاق صناعة الألومنيوم "الكوا" مشروعه لتملك شركة "رينولدز ميتالز" في صفقة سهمية أضافت له ثلاث وحدات من مصانع السحب التي تنتج منتجات متنوعة لصناعات التغليف والتعليب والبناء والنقل، ويبلغ اجمالي مبيعاتها السنوية عام 1999 9.2 بليون دولار، فضلاً عن مليون طن من طاقة الصهر سنوياً ومناجم لصخور البوكسيت في البرازيل وغوايانا وغينيا. وعلى النقيض من الشركة الكندية، فازت "الكوا" بصفقتها بعد الموافقة على شروط وضعتها كل من اللجنة الأوروبية ووزارة العدل الأميركية. وتضمنت الشروط التخلي عن استثمارات عدة بينها حصة بنسبة 25 في المئة في مصهر تابع لشركة "رينولدز" في الولاياتالمتحدةواشنطن، وحصص أخرى تملكها "رينولدز" أيضاً في ثلاث وحدات لانتاج الألومنيوم الخام في أميركا تكساس واستراليا والمانيا، لكن مسؤولاً في "الكوا" أكد أن ذلك لن يقلل من أهمية الصفقة، مشيراً إلى أن الشركة ستستخدم عوائد البيع لتطوير أعمالها. والمؤكد ان تملك "رينولدز" سيتيح لشركة "الكوا"، حسب تصريحات مسؤوليها، تحقيق وفر بنحو 200 مليون دولار في نهاية العام الثاني، علاوة على برنامجها الخاص لاقتطاع 1.1 بليون دولار من النفقات. كما سيتسح لها رفع مبيعاتها إلى نحو 19 بليون دولار سنوياً بعد تملكها مليون طن من ناتج المصاهر ليضاف انتاجها الذي بلغ العام الماضي 5.4 مليون طن، ما نسبته في المحصلة نحو 25 في المئة من الانتاج العالمي. ومن شأن صفقة "الكوا - رينولدز" علاوة على مشروع "الكان" المعدل اخراج لاعبين مهمين من السوق والمساهمة مع الصفقات المماثلة التي شهدتها الأسواق الأوروبية في وضع صناعة الألومنيوم تحت سيطرة حفنة أقل من العمالقة، وعلى رغم أنه من الصعب التكهن بما يعنيه ذلك بالنسبة للمنتجين المستقلين، ولا سيما منتجي الألومنيوم الأولي في منطقة الخليج، إلا أن مسؤول "الكان" اعترف ل"الحياة"، على سبيل المثال، ان الشركة ستزود المصنعين اللذين تملكتهما في كوريا الجنوبية أخيراً من الألومنيوم الأولي الذي تنتجه مصاهرها العاملة في غرب كندا. وفي المقابل، تبرز صفقات الدمج والتملك أهمية الخطوات الخليجية لتشجيع الاستثمار في مشاريع الصناعات التحويلية المعتمدة على الألومنيوم الأولي. وتنتج شركتا "دوبال" و"البا" في الإمارات والبحرين نحو 1.1 مليون طن من الألومنيوم الأولي سنوياً، لكن 30 في المئة فقط من هذا الانتاج يتم تصنيعه في الأسواق المحلية، بينما يصدر الباقي إلى الأسواق الخارجية. ويدعم أهمية تشجيع الاستثمارات تقلب أسعار الألومنيوم الأولي التي تراجعت بمعدل 200 دولار للطن الواحد منذ مطلع السنة الجارية. ويشار إلى أن "منتدى الألومنيوم" الذي عقد في المنامة الأسبوع الفائت، تمخض عن التوقيع على مذكرات تفاهم لمشاريع جديدة قدرت قيمة استثماراتها بنحو 250 مليون دولار