في مجمع بصحراء مترامية الأطراف على ساحل شمال شرق الخليج بالمملكة تدور عجلة الإنتاج في المصافي والمصاهر وآلات الصب لتحويل الصخور ذات اللون الوردي الباهت إلى قضبان ألمنيوم في صورة تجسد مساعي المملكة لتنويع اقتصادها. وبعد عامين فقط على بدء التشغيل أصبح مشروع الألمنيوم في رأس الخير البالغة تكلفته 10.8 مليارات دولار بالفعل أكبر منشأة متكاملة لإنتاج المعدن في العالم. وتقع مدينة رأس الخير الصناعية على بعد 200 كيلومتر شمالي الدمام مركز إنتاج النفط في المملكة. 4.8 مليارات ريال إيرادات نجاح جهود المملكة الرامية إلى بناء اقتصاد لا يعتمد على النفط والدعم الحكومي سيتحدد في السنوات القادمة بناء على عدة أمور منها ما يمكن أن تحققه شركة التعدين العربية السعودية (معادن) في المجمع الذي تديره. والألمنيوم أكبر مصدر يدر سيولة نقدية للشركة حيث بلغ حجم إيراداتها منه 4.8 مليارات ريال (1.3 مليار دولار) العام الماضي. كما أن التعدين يمثل أحد دعائم تحول المملكة العربية السعودية بعيدا عن النفط. وتعقد المملكة آمالها على احتياطيات خام البوكسيت الكبيرة التي لم تُستغل بعد والتي تُستخدم في صناعة الألمنيوم بالإضافة إلى احتياطيات الفوسفات والذهب والنحاس واليورانيوم. الإستراتيجية المستقبلية قال رئيس شركة معادن للألمنيوم عبد العزيز الحربي "مدينة رأس الخير مهيأة بالفعل للتوسع في صناعات كثيرة لكنني أرى أن الألمنيوم سيكون ركنا أساسيا في الإستراتيجية المستقبلية للشركة". ومعادن للألمنيوم مشروع مشترك بين معادن وشركة الكوا الأميركية المتخصصة في الألمنيوم. والمدينة بها ميناء ومحطة لتحلية المياه وإنتاج الكهرباء بطاقة 2400 ميجاوات بالإضافة إلى خط للسكك الحديدية يربط المجمع مباشرة بمناجم البوكسيت والفوسفات. بوكسيت القصيم على الرغم من أن معادن للألمنيوم بدأت باستيراد المواد الخام فإنها تستخدم في الوقت الحالي السكك الحديدية للمحافظة على سلسلة إمداد سعودية وتجلب البوكسيت حصريا من القصيم. وتفخر المدينة بالتقنيات البيئية الحديثة ومن بينها إعادة تدوير مياه الصرف والمنشأة الوحيدة المستخدمة في الشرق الأوسط لجمع وإعادة تدوير العبوات المصنعة من الألمنيوم وصناديق إعادة التدوير الموجودة في كل الأروقة والتي لا مثيل لها في أي مكان آخر في المملكة. ويقول مسؤولون تنفيذيون إن باستطاعتهم تقليص تكلفة الإنتاج وتعزيز أنشطة الصناعات التحويلية محليا من خلال ربط المعادن بمنشآت الإنتاج في موقع واحد. وقال الحربي "هدفنا هو أن نصبح المنتج الأقل تكلفة في العالم وهو ما نقترب منه بالفعل الآن". ويحول العمال البوكسيت إلى ألمنيوم. أكبر الأفران بالعالم يوضح مدير العمليات في المركز جورج إنجليش إن المركز يستخدم أكبر أفران عمل في العالم. وقال "لدينا مجموعة من الأفران من 85 طنا إلى 135 طنا متريا. هي على الأرجح أكبر أفران تقوم بعمليات في العالم في الوقت الراهن". ظل قطاع التعدين مهملا لعقود في المملكة باستثناء بعض عمليات استخراج الذهب المحدودة. لكن في أبريل الماضي أصدر ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وعودا كبيرة فيما يخص القطاع ضمن خطة إصلاح اقتصادي واسعة النطاق. وقال الأمير محمد إن قطاع التعدين سيحقق 97 مليار ريال سنويا وسيخلق 90 ألف فرصة عمل خلال خمس سنوات. وتأكد هذا الالتزام عندما عينت السعودية خالد الفالح رئيس مجلس إدارة معادن وزيرا للطاقة مما أدى إلى موجة صعود قوية لسهم الشركة. وتدير الشركة منجما لخام البوكسيت في البعيثة بمنطقة القصيم وسط البلاد حيث تنتج منتجات شبه نهائية مثل السبائك والقضبان واللفائف العملاقة التي تستخدم في صناعة عبوات المشروبات. تصدير الألومينا قال الحربي إن هناك خططا لتصدير الألومينا وهي مادة وسيطة في إنتاج الألمنيوم بالإضافة إلى تشييد مزيد من المنشآت الصناعية التي تعمل في أنشطة المصب. واستحوذت معادن على 8% من سوق ثنائي فوسفات الأمونيوم البالغ حجمها 15 مليار دولار وواحد بالمئة من سوق الألمنيوم البالغ حجمها 90 مليار دولار بحسب تقرير صدر عن دويتشه بنك. لكن الشركة تواجه ضغوطا جوهرية إذ أدى الإنتاج الكثيف للألمنيوم في الصين إلى تراجع الأسعار العالمية لمنتجاتها قرب أدنى مستوى في عدة سنوات. وهبط صافي ربح معادن في الربع الأول 35 % مقارنة بمستواه قبل عام ليصل إلى 45 مليون دولار. الطاقة ولقيم الغاز أيضا قد تتآكل ميزة التكلفة التي تتمتع بها معادن بفعل ارتفاع أسعار الطاقة ولقيم الغاز في المملكة التي خفضت الدعم في ديسمبر الماضي للتأقلم مع عجز في الموازنة العامة يبلغ نحو 100 مليار دولار نتج عن تدني أسعار النفط. وبحسب العرض التقديمي لأرباح الشركة في الربع الأخير من السنة الماضية فإن مشروعات الشركة ستكون معفاة من الزيادة في أسعار الغاز في الوقت الحالي نظرا لأن تلك المشروعات جديدة وسيستمر الإعفاء حتى 2020 بالنسبة للألمنيوم وحتى 2017 و2023 في وحدات إنتاج الفوسفات المختلفة. لكن شأنها شأن سائر قطاعات التصنيع في المملكة العربية السعودية ستضطر معادن في النهاية إلى المنافسة في الأسواق العالمية بدعم حكومي أقل.