يصعب تجاهل التشابه الكبير بين خطوط الأنترنت في العالم، وخطوط الملاحة البحرية الدولية. لدى النظر الى خريطة الأنترنت، يمكن استحضار رحلات ماجلان وفاسكودي غاما وكريستوفر كولومبوس وغيرهم من رواد الملاحة. هؤلاء ركبوا الأمواج واندفعوا صوب آفاق جديدة. الرحلات الملاحية الأولى أدت الى تعرف العالم الى نفسه ومناطقه وشعوبه وحضاراته... الخ. تُعرف تلك المرحلة تاريخياً باسم عصر الاكتشافات الكبرى، كاكتشاف أميركا والدوران حول رأس الرجاء الصالح والمرور الى الهند وغيرها. وحيث مرت المصالح والسلع والأموال، تمر الآن خطوط الألياف الضوئية للأنترنت لتحمل الإعلام المعلوماتي والتجارة الإلكترونية وغيرها من مكونات سوق الأنترنت الكبرى. وأيضاً فإنها تحمل التفاوت العلمي بين شعوب الأرض. وكثيراً ما ارتبطت الفجوة العلمية مع خلل التوازن في علاقات القوة بين الدول، وذلك مصدر للقلق. فالأرجح أن الفجوة العلمية شاركت في حفز ظاهرة الاستعمار والتوسع وحروب السيطرة على أسواق العالم. ولعل جزءاً من آليات الاستقرار في الحرب الباردة كان في تقارب المستويات العلمية بين جباريها. وعند اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية وجدت الولاياتالمتحدة أنها والاتحاد السوفياتي تقدر على الحاق ضرر متقارب كل للآخر. هل كان ذلك جزءاً من سرعة استكانة تلك الأزمة المرعبة؟ من المركز الغربي وصوب أفريقيا وآسيا وبعد الأزمة الكوبية، شرع العلم يتراكم في الغرب تدريجياً، وعلى نحو يذكر بتراكم رأس المال المالي وقدرات الصناعة في مراحل ظهور الإمبريالية وتوطدها. وأدى الخلل في التوازن العلمي" مع مرادفاته في الاقتصاد والسياسة، الى سقوط الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية تحت وطأة صعود الظاهرة المركبة المعروفة ب"العولمة" والتي تعتبر المعلوماتية والكومبيوتر من محفزاتها ونوابضها. فما هي صور الخلل والتوازن التي ربما حملته خطوط الأنترنت عبر العالم؟ ثمة مشروعين كبيرين لخطوط الأنترنت، وكلاهما أنجز في ختام القرن العشرين. يعرف الأول بإسم "فلاغ" أو FLAG وهي الأحرف الأولى ل Fibroptic Link Around the Globe أو "الألياف الضوئية للربط حول العالم". ويربط مشروع "فلاغ" بين أوروبا وآسيا وبلغت كلفته 5،1 بليون دولار ومجموع طول خطوطه 28 ألف كيلومتر. وتمر الخطوط عبر الإسكندرية" وهي عقدة خطوط الأنترنت في المتوسط، ثم السويس وتجتاز القناة وباب المندب، وتعتبر مدينة دبي من محطاتها المهمة والتي تمر منها في رحلة آسيوية تختتم في اليابان. وتبلغ قدرة خطوط فلاغ 5 جيجابايت في الثانية الواحدة، ويخدم نحو 75 في المئة من سكان العالم. ويطلق اسم "سي. مي. وي- 3" Sea.Me.We-3 على المشروع الثاني الذي تصل قدرته الى عشرة جيجابايت في الثانية ومهمته الربط المعلوماتي والهاتفي بين أوروبا وبين الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. ويعبر كابل "سي-مي-وي 3" ممراً مشابهاً ومحاذياً لخط "فلاغ". ولا يغيب عن الذهن الدعم المتزايد الذي تتلقاه الخطوط من الأقمار الاصطناعية التي باتت أيضاً تزنر الأرض في حزام فضائي" وخصوصاً نظام "تحديد المواقع على الكرة الأرضية" أي Global Positioning System أو GPS.