شاب وسيم يتفاوض مع مدير فندق حول أسعار خاصة لمجموعة سياحية. وكان المدير حازماً في الأسعار بسبب بناية "الهاي سيزن" السياحي. وحتى عندما قال أوضح الشاب أن المجموعة هم طلاب وطالبات السنة الثالثة في كلية السياحة في بلد عربي.. وفي مهمة تدريب على برمجة سياحية لمدة أسبوع... لم يتزحزح المدير واضطر الطالب السياحي للموافقة. ولكن، فجأة ينهض شخص متثاقلاً عن مقعد مجاور ويقول للمدير: "أعتقد أن واجبك أن توافق أكثر من حقّك أن ترفض". ويبدو أن الشخص ولهجته وربما معرفة المدير بمنزلته أخضعته قائلاً: "كرمى لك سأعتمد السعر الأدنى" فرد الرجل: ليس كرمى لي بل للبلد أولاً ولهؤلاء الشباب ثانياً، وكان المفروض أن تعتبرهم مثل طلاب في كلية الطبّ يقومون ب"ستاج" وسيكونون نافعين لنا أفراداً ومؤسسات. وكان أن الشاب الوسيم الطالب في الكلية السياحية التفت شاكراً ومتشجّعاً. في بلادنا كانت الجامعات تستقبل والمجتمع كذلك طلاباً وخريجين من اختصاصات الرفاه الوظيفي: طب، هندسة. وإلى حد ما، كان لهذه الاختصاصات عمق اجتماعي معين باقتصاره على العائلات الميسورة. وحتى الكليات العسكرية كانت أيضاً مقصورة على"الطبقة الراقية". ومع اختلاف الأحوال وتكاثر التعليم والخريجين وتطور حاجات النمو والبناء الاقتصادي... اتسعت دائرة الحاجة إلى اختصاصات لا حد لها. وربما وصل العالم اليوم الى درجة من التخصص بأصابع اليد اليمنى فقط - في الطب - وبتطوير مرايا السيارات في الصناعة. أخيراً يلتفت العالم العربي الى السياحة التفاتة من يريد تحويل "النزل - INN" إلى فندق والاستراحة على الطريق إلى محطة رفاه للمسافرين. والفندق إلى مؤسسة واجهة حضارية للضيافة، والشركات السياحية الى مؤسسات "تصنيع الجغرافيا اللذيذة". وقد لوحظ إقبال العديد من الشبان الوسيمين والشابات الجميلات على كليات ومعاهد السياحة، ليكونوا مضيفي بلدانهم وخادمي سياحتها. ولم يعد يتردد الأبناء في الاختيار - أحياناً كثيرة - بعد البكالوريا بين الطب والسياحة. وقد يكون منشأ ذلك صعوبات التحصيل وطول سنوات الدراسة، ولكن، بالتشجيع الواقعي لفرص العمل لمن اختصّ بالسياحة... يتزايد عدد الذين يختارون وعن قناعة مثل هذه الدراسة. وبمقدار ما أصبحت السياحة وكانت دائماً اقتصاداً أصبح العمل فيها ومعها اختصاصاً. وبالتنافس على مواقع العمل يتطور الاختصاص الى مهارة، الأمر الذي يجعل على نحو ما شُبان السياحة شخصيات تسويق ثقافي- سياحي. يطلّون بابتسامتهم الشرقية على مستقبل المدينة العربية المتمدنة بكل أعماقها المتصلة بحضارتها. المدينة العربية التي تمدّ أطرافها على أغنى أشكال وألوان الطبيعة والجغرافيا... المدينة التي تُغطّس أقدامها في الأطلسي ويديها في الخليج وصدرها في المتوسط. المدينة العربية وهي تؤهّل نفسها للاستقبال، عارفة ماذا تريد أبعد من الدولار وأكثر من السياحة، تدخل عصراً لتصالح الحضارات بدلاً من صراع الحضارات. * كاتبة وشاعرة سورية.