تُغري مهنة الدليل السياحي الكثيرين في الأردن بسبب معدل الدخل المرتفع الذي تدره ويفوق الدخل الذي يمكن ان تحققه وظائف كثيرة اخرى، لا سيما في قطاع المهن الحرة، في بلد يعاني من معدلات البطالة المرتفعة. ومنذ تأسيسها قبل 11 عاماً، باتت "جمعية الأدلاء السياحيين الأردنيين" تضم مئات الأعضاء المسجلين ممن قدموا اليها من اختصاصات وقطاعات مهنية مختلفة رغبة في مزاولة مهنة الدليل السياحي. واستطاعت الجمعية ان تحصل في نهاية المطاف على ترخيص رسمي العام الماضي، الا انها لا تزال تواجه مشاكل عدة ابرزها كثرة مزاولي المهنة في وقت لا ينمو قطاع السياحية بالقدر الكافي الذي يتيح استيعاب جميع الوافدين للعمل فيه. ويقول نائب رئيس الجمعية السيد داوود سمعان لپ"الحياة" ان "الجمعية التي تأسست قبل 11 عاماً للمحافظة على حقوق الادلاء والمطالبة بها، ابتدأت بپ65 عضواً ثم ارتفع العدد عشرة اضعاف خلال الفترة الماضية. الا ان هناك صعوبات لاستيعاب مزيد من الادلاء في ظل الركود السياحي الذي يحل في فترات عدة في السنة". وعلى رغم طول المدة التي مضت على تشكيلها الا ان الجمعية بقيت من دون وضع قانوني محدد. ويشرح السيد سمعان قائلاً: "اول مرة نظمت فيها الجمعية كان العام الماضي اذ صدر قبل نحو خمسة اشهر قانون داخلي للجمعية وضع موضع التنفيذ في تشرين الأول اكتوبر الماضي وينص على تفصيل لحقوق الدليل السياحي وواجباته وواجبات الجمعية والتزامها التعاون مع زارة السياحة والجهات الرسمية وتنظيم دورات الادلاء وعملية تأهيلهم". ويضيف: "لدينا اكثر من 600 دليل سياحي يمثلون جميع الاختصاصات العلمية والجامعية: الصيدلي والطبيب والمهندس وخبير الكومبيوتر وخريجو الآداب والمحاسبون ومديرو الأعمال، اي جميع المجالات تقريباً وهذا يفسر ان مستوانا الاكاديمي عال جداً. علاوة على ذلك فاننا نشارك في دورات كثيرة وهذا يشمل جميع الدورات المتعلقة بالسياحة في الأردن فضلاً عن مشاركتنا في مؤتمرات ومنتديات سياحية تأهيلية خارج الأردن". اكثرهم من العزّاب وتحمل مهنة الدليل السياحي متعة واحساساً بالمغامرة وقد يفسر هذا الامر "مشكلة من نوع خاص" تواجهها الجمعية وتتمثل في ان "اكثر اعضائها من العزّاب". ويقول سمعان: "هذا الامر تحتمه طبيعة العمل التي تتطلب التزاماً كبيراً ومرونة في توزيع الوقت وضرورة المبيت في شكل متكرر خارج المنزل وفق ما تقتضيه حاجة المجموعات السياحية". الا ان ركوب المغامرة ليس الحافز الوحيد الذي يبرر انتساب اصحاب الاختصاصات الشبان، ممن يخرجون الى سوق العمل بعد تخرجهم، الى مهنة اخرى بعيدة عن اختصاصهم الجامعي الأساسي. ويشير سمعان الى ان "الدخل المرتفع، قياساً الى متوسط الدخل الفردي في الأردن والبالغ 1600 دولار سنوياً، هو الذي يدفع في الواقع اصحاب المهن الحرة والاختصاصات العالية الى العمل ادلاء سياحيين علاوة على غنى المهنة بالعلاقات الانسانية التي يقيمها الدليل مع المجموعات التي يتولاها". ويضيف: "الأمر الأساسي يبقى كثرة المتعملين وأصحاب شهادات الطب والصيدلة والهندسة في الأردن ممن لا يجدون عملاً يتناسب ومؤهلاتهم ما يدفعهم الى البحث عن فرص اكثر جدوى في قطاع الارشاد السياحي او غيره من القطاعات. وأنا شخصياً اعرف مهندسين يعملون سائقي تاكسي لأن هدفهم الكسب الشريف بعدما سدت أمامهم فرص العمل في مجالهم التخصصي". ولكن، كم هو متوسط دخل الدليل السياحي الشهري؟ يجيب: "يختلف من دليل الى دليل. من الممكن ان ينجح البعض في تحصيل الف او الفي دولار والبعض الآخر لا يحصل ولو على فلس واحد. والسبب ان هناك ادلاء معروفين في السوق ويعرفون السوق جيداً وهؤلاء يحققون دخلاً كبيراً. اما الدليل السياحي الجديد فلديه بعض الوقت قبل تحصيل دخل مناسب. وبالامكان الحديث عن متوسط شهري، مقابل عشرة ايام عمل في الشهر، بمعدل يبلغ 500 دينار او نحو 700 دولار وهذا يعني 8400 دولار في السنة". الحديث عن الدخل يشمل الحديث عن السياح: اي المجموعات السياحية احسن؟ "اكثر المجموعات التي تردنا المجموعات الألمانية تليها بقية الجنسيات الأوروبية ثم الاميركيون. لكن افضلهم على صعيد الانفاق المادي هو السائح الاميركي. يبقى يومين في زيارته لكن الأدلاء السياحيين يشعرون بفرق كبير بينه وبين الأوروبي الذي قد يبقى لمدة اسبوع، على سبيل المثال. والسبب هو ان السائح الاميركي يفضل النزول في فنادق خمس نجوم، وهو عادة من الفئة العليا للسياح، بينما المجموعات السياحية الأخرى قد تضم زواراً من فئات السياحة الجماهيرية وهذه تتميز بمستوى انفاق اقل". وما هي اكثر المناطق التي يحب السياح زيارتها؟ "بترا، الجرش، مادبا، جبل نيبو، الكرك، وادي رم، عجلون، ام قيس. الأردن متحف طبيعي من اقصاه الى اقصاه وهناك مشروع جديد تعده ادارة الآثار في وزارة السياحة اسمه: متحف طبيعي مفتوح الحدود لاستقطاب الزوار". ويعترف السيد سمعان بمشكلة تضخم اعداد المرشدين السياحيين في وقت لا تتوسع فيه السوق بالقدر نفسه الذي تزداد فيه لائحة اعضاء الجمعية. يقول: "من يبدأ العمل في هذه المهنة صعب ان يتركها لأنه يصبح متعلقاً بالناس وبالمواقع السياحية التي يرتادها. لكن العدد الموجود حالياً مرتفع للغاية عن مستوى التشغيل المتوافر. هناك بعض المرشدين لا يجدون عملاً على الاطلاق في وقت دورات التخريج مستمرة للادلاء السياحيين وآخرها بدأ الشهر الماضي". وعن سبب الركود السياحي الذي يطرأ بين الفينة والفينة يجيب: "سياحتنا تتعلق بالوضع السياسي في المنطقة. والموسم السياحي لدينا يتركز في اشهر تشرين الأول اكتوبر وتشرين الثاني نوفمبر ثم آذار مارس ونيسان ابريل وأيار مايو. بالمقابل ينص قانون وزارة السياحة على ان الدليل السياحي ممنوع من مزاولة اي مهنة سياحية ثانية وعليه الاكتفاء بالقيام بعمله في مجال الارشاد السياحي. وللأسف حجم الأدلاء كثير والدورات متوالية ومع ذلك نمنع من العمل في اي مجال غير الارشاد السياحي، اي المطلوب منا ان نكون ادلاء سياحيين لا أكثر بغض النظر عن طبيعة السوق وتقلباتها". وعلى رغم انتقاد الوضع القائم الا ان نائب رئيس جمعية الادلاء يعتبر ان العلاقة بين جمعيته ووزارة السياحة "ممتازة جدا". لماذا؟ "لأنها تعطينا اهتماماً كثيراً وتحاول اشتراكنا في جميع الندوات السياحية والانشطة الدولية التي تنظمها في الأردن وخارجه. كما اننا بتنا نحظى بخصم مقداره 50 في المئة على اسعار تذاكرنا في رحلاتنا الى الخارج. وهذا الخصم منحتنا اياه الخطوط الملكية الاردنية بفضل جهود وزارة السياحة. ولا انسى ايضاً انه، وبفضل علاقتنا المتطورة مع وزير السياحة عقل بلتاجي، اصبحت جمعيتنا السنة الماضية جمعية قانونية". اتحاد عربي وتسعى الجمعية حالياً الى تحقيق مشروع يتماشى مع التحولات اللافتة التي بدأ يشهدها العالم العربي وتقارب مصالح الدول العربية التي باتت تولي اهتماماً اكبر لمساهمة السياحة في الدخل القومي. ويقول السيد سمعان: "نجري حالياً اتصالات مع اتحادات الاخوة الادلاء السياحيين في مصر وسورية، وفي العراق الذي نبحث معه في الوقت الراهن في تزويده خبرات في مجال تدريب الأدلاء السياحيين. وهدفنا هو اقامة اتحاد عربي لجمعيات الادلاء السياحيين. ونحن نرحب بكل الاتحادات العربية الاخرى ومستعدون لتطوير فكرة الاتحاد العربي مع بقية الاخوة الزملاء في البلدان العربية". ويضيف: "بدأنا تنظيم انشطة مختلفة تخدم هذا الهدف، بينها دورة جمعت، قبل اربعة اشهر الادلاء الاردنيين والفلسطينيين والمصريين. نظمناها لمدة شهر. أتى الزملاء الفلسطينيون الى الأردن وقمنا باعدادهم محلياً لمدة اسبوعين ومن ثم اتجه المتدربون الفلسطينيون والأردنيون الى مصر حيث اكملوا مع الأدلاء المصريين دورة متابعة لمدة اسبوعين. وتوزع الحضور بين قدامى الادلاء والجدد منهم". ويتابع قائلاً: "اهمية هذا التعاون تكمن في انه يفيد في تسويق الدول العربية المجاورة عبر الاحتكاك المباشر بالسائح الذي يتعامل طوال فترة زيارته مع دليله السياحي في شكل مستمر ويسأله معلومات تخص المنطقة ككل. وبوسعنا من هذا المنطلق ان نفيد بعضنا البعض لأننا المستشارون المجانيون الذين يلجأ السائح اليهم لطلب النصح والتوجيه منهم، وبوسعنا من هذا المنطلق حث زوار البلد الذي نعمل فيه على التوجه لاحقاً الى الوجهات والمقاصد العربية الاخرى وإكمال رحلة التعرف الى تراث هذه المنطقة السياحي والاثري. وهدفنا الاقصى الذي نطمح اليه هو تعزيز فكرة الاقليم السياحي المشترك الذي كثر عنه الحديث في السنوات الاخيرة، من خلال ربط الاماكن الأثرية والسياحية ببعضها البعض في دولنا العربية". وعن الاستعدادات التي تواكبها الجمعية للاحتفالات المنتظرة بانتهاء الالفية الثانية يقول: "يفتتح المغطس سنة 2000 وهو مكان عمادة السيد المسيح، والمكان الذي كان يعيش فيه يوحنا المعمدان. وسنحاول ايجاد صيغة تنسيق ملائمة مع الاسواق العربية المجاورة، لا سيما مع الادلاء الفلسطينيين، لتحقيق افضل فائدة ممكنة من الاحتفالات والأنشطة السياحية التي تتركز حول ذكرى الألفية الثانية والتي تأخذ معناها الأوسع من المعالم المميزة التي تحفل بها ارض الانبياء في الشرق العربي". تأهيل الأدلاء شروط انتساب الدليل في الوقت الحالي، ان يكون خريج جامعة وان يكون ملماً بلغة اجنبية واحدة على الاقل غير اللغة العربية، وان يشترك في دورة لمدة سنة في الكلية المختصة والمعتمدة من قبل وزارة السياحية والتي هي كلية عامون. ويدرس الطالب السياحة والآثار وتكون المواد الدراسية التي يشتمل عليها البرنامج موجهة نحو المعلومات العامة ولكن في مجالات السياحة. ورسم الدراسة في هذه الكلية هو الف دينار. بقية الجامعات الاردنية في الاردن 20 جامعة لديها معلومات سياحية وآثار يحصل عليها الخريج في اعقاب اربع سنوات دراسة جامعية. لكن، حتى ولو كان هذا الخريج يحمل دبلوماً جامعياً من هذا القبيل، فان شروط انتسابه الى الجمعية تقتضي دراسته لمدة سنة في كلية عامون التي تعتبر المرجع الوحيد لتأهيل الأدلاء. وبعد كلية عامون يخضع الخريج للتدريب لمدة ثلاثة شهور تحت اشراف "جمعية الأدلاء السياحيين" وفي ختامها ينتسب الى الجمعية. اما رسوم الانتساب فهي تبلغ 80 ديناراً ورسوم الترخيص السنوية تبلغ 40 ديناراً كل عام. والرسوم تعتمد علىها الجمعية على اعتبار انها المصدر الوحيد للدخل لديها. ومركز الجمعية مستأجر ويقع في دوّار المدينة الرياضية في عمان. وقف الاسرائيليين عند حدّهم كيف هي المنافسة مع المرشدين السياحيين الاسرائيليين؟ - هم يحاولون باستمرار ان يفرضوا حضورهم على حساب الدليل الاردني وان يهمشوه من خلال التدخل في عمله. والقاعدة هي ان كل مجموعة سياحية ترد الى الاردن، من اي بلد كان، يجب ان يتولى شأنها دليل اردني يعرف المواضع السياحية ويقدم لها الخدمة المناسبة. وما يقوم به الاسرائيليون هو ارسال مرشدين سياحيين من قبلهم يرافقون المجموعة السياحية الواردة الينا. وتنتج عن هذا الامر محاولات يقوم بها المرشد السياحي الاسرائيلي للتدخل في عمل الأدلاء السياحيين الاردنيين. كيف تتصدون لهذا الموقف؟ - نوقفهم عند حدّهم ونمنعهم من التدخل في عملنا لاننا مسؤولون عن المجموعات الواردة الى اراضينا. هل هناك فارق بين دخلكم ودخلهم؟ - المرشد السياحي الاسرائيلي يتقاضى 75 في المئة زيادة عن الدليل الاردني. والفارق يكمن في اختلاف العقود التي يبرمها المكتب العربي في الاردن والمكتب الاسرائيلي مع الأدلاء المحليين هنا وهناك، علاوة على اختلاف السياسة الضريبية في البلدين. والعلاقة مع المرشدين العرب؟ - يأتينا زملاء مصريون مع المجموعات الالمانية وسوريون مع مجموعاتهم. علاقتنا معهم ممتازة للغاية ولا يتدخلون في عملنا. الواحد منهم يتحول فور وصوله الى المعبر الحدودي الاردني الى مدير للمجموعة التي يرافقها ويتوقف عن مزاولة مهنته كدليل سياحي، وهذا يعزز دور الدليل السياحي الاردني. هل تتصرفون بالكيفية نفسها اذا ذهبتم الى بلدان عربية اخرى؟ - الامر نفسه يحدث. لدى وصولنا الى حدود لبنان او سورية او مصر او اي دولة عربية نذهب اليها، نتوقف عن مزاولة دور الدليل ونتحول الى مديرين للمجموعة السياحية.