زادت المخاوف في المغرب من مخاطر تصعيد المواجهة بين أهم المركزيات النقابية وحكومة رئيس الوزراء السيد عبدالرحمن اليوسفي بعدما تمسك الاتحاد العام للعمال والكونفيديرالية الديموقراطية للعمل بتنفيذ اضراب عام في كل القطاعات في 25 نيسان ابريل الجاري. وعلمت "الحياة" ان الحكومة عقدت اجتماعاً غير معلن درست فيه ما يمكن ان يحصل في حال عدم الوصول الى حل وفاقي قبل موعد الاضراب. وكانت المركزيتان النقابيتان طالبتا ب "تعبئة شاملة" لخوض المواجهة التي تعتبر الأولى من نوعها منذ تشكيل حكومة اليوسفي في اذار مارس 1998. وعرفت قطاعات التعليم والزراعة والنقل والتجارة إضرابات كثيرة في السابق، لكنها لم تصل الى مستوى الاضراب العام. ويقول النقابيون ان الحكومة رفضت تنفيذ الاتفاقات السابقة التي ابرمت عام 1996 إثر اضراب حزيران يونيو من تلك السنة والذي تم في اجواء هادئة خلافاً للإضراب العام لسنة 1990 والذي اسفر عن ضحايا ونتجت عنه قلاقل مدنية. وتشمل الاتفاقات المبرمة بين الحكومة السابقة والمركزيات النقابية ورجال الأعمال اعادة المطرودين لاسباب نقابية الى مراكز عملهم وزيادة الاجور وتعميم التغطية الصحية، اضافة الى اجراءات تطاول السكن الشعبي وتكريس الحرية النقابية. لكن الحكومة قالت انها بصدد الدخول في مفاوضات جديدة على كل الملفات العالقة، بخاصة في ضوء اعداد موازنة مالية لفترة نصف العام الجاري. ويقول النقابيون انه لم يتم اشراكهم في طرح الاولويات التي تخص الملفات الاجتماعية، اضافة الى عدم الاتفاق على مشروع قانون العمل الجديد. واتهمت مصادر في المعارضة رئيس الوزراء بأنه رفض الاجابة عن سؤال نيابي عن الاضراب العام، في حين نُقل عن مسؤول نقابي ان احد الوزراء الحاليين شرّد ما يزيد على ثلاثة الف عامل "بدل ان يسهر على احترام قانون العمل". وتحول الملف الاجتماعي الى محور جدل بين الكتل النيابية خصوصاً في ضوء إثارة تداعيات الاضراب في ميناء الدارالبيضاء الذي تسبب في وقف الحركة التجارية. وقالت الكونفيديرالية الديموقراطية للعمل والاتحاد العام للعمال ان الاضراب كان ناجحاً وانه سيشمل بقية موانئ البلاد. واوضح وزير الطاقة المغربي السيد يوسف الطاهري لدى اجتماعه مع وفد نقابي ان وزارته مستعدة لدرس مطالب العاملين في القطاع، في حين اكد وزير التربية السيد اسماعيل العلوي، زعيم التقدم والاشتراكية، ان معالجة ملف المطرودين من القطاع تتم وفق وتيرة ادارية. وقال امام البرلمان اول من امس انه تم احصاء 618 موقوفاً و 53 مطروداً في قطاع التعليم وان تسوية الملف في طريقها الى النهاية. وعزا السيد عبدالرزاق افيلال، زعيم الاتحاد العام للعمال، دوافع الاضراب الى تزايد حالات طرد العمال واقفال المصانع وتقليص ساعات العمل ومضايقة الحريات النقابية. ودعا الى معاودة النظر في تركيبة الحكومة الحالية، في اشارة الى وجود وزراء يديرون مؤسسات تجارية واقتصادية عرفت حركة اضرابات واعتصامات. لكن السيد نوبير الاموي زعيم الكونفيديرالية الديموقراطية للعمل صرح بأن الوفاق حول الفترة الانتقالية لتدبير الشأن العام تم في غضون نظرة استراتيجية لتأمين الاستقرار، وكان الهدف من ذلك الاستجابة لمطالب الرأي العام. واضاف: "مع الاسف فان الحكومة لم تسر في الاتجاه السليم". واوضح ان في الامكان تفهم موقف الحكومة نظراً الى تشكيلها من سبعة الوان، في اشارة الى الأحزاب السبعة المشاركة في الائتلاف الراهن، "لكن ابعد من الوضع السياسي الراهن فإن ذلك يعني ان احزاب الكتلة موجودة في الحكومة، وكان لها برنامج من عيوبه انه لا يتضمن الملفات الاجتماعية التي تهم النقابات". واضاف: "لا يهمنا كيف صُنعت الحكومة وانما الاهم هو مضمون البرنامج". لكن وزير الشؤون العامة السيد احمد الحليمي لاحظ ان تعديل الحكومة يرجع الى قرار رئيس الوزراء الذي يضمنه ملك البلاد، وانه "يتطلب مشاورات وتوازنات". يذكر في السياق نفسه ان الكونفيديرالية الديموقراطية للعمل تعتبر قريبة من حزب رئيس الوزراء المغربي، ويتحمل زعيمها نوبير الاموي مسؤولية قيادية في الاتحاد الاشتراكي. لكن بوادر الخلاف بين النقابة والحزب برزت منذ بداية تشكيل الحكومة. ولم يخف قياديون نقابيون تذمرهم من تركيبة الحكومة. وفيمموازاة ذلك، فان الاتحاد العام للعمال يعتبر بدوره قريباً من حزب الاستقلال المشارك في الحكومة أيضاً والذي سبق له ان انتقد وزارة اليوسفي مرات عدة ووصف عملها بأنه يتسم بالبطء وان "هناك اجراءات كان في امكان الحكومة التزامها لا تحتاج الى كلفة مالية عالية". وترى مصادر سياسية ان الدعوة الى الاضراب العام ليست بعيدة عن التجاذب القائم داخل بعض احزاب الائتلاف الحكومي نفسه، بخاصة وان الاتحاد الاشتراكي بصدد الاعداد لمؤتمره الوطني، في حين ان حزب الاستقلال ليس بعيداً عن خلافات ازاء وضعه الراهن، كونه غير راض عن حصته في الحكومة الحالية، اضافة الى تزامن الدعوة الى الاضراب العام مع الاستعدادات الجارية للاحتفال بعيد العمال مطلع الشهر المقبل. الى ذلك رأت مصادر مغربية في دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس الحكومة الى الانكباب على الملفات الاجتماعية خطوة نحو استيعاب مظاهر التوتر الاجتماعي. ورأس محمد السادس اول من امس اجتماعاً وزارياً دعا فيه الى مراعاة الجانب الاجتماعي في الموازنة الحالية "لضمان فرص العمل وتحقيق توازن بين الارياف والحواضر وتحسين ظروف عيش السكان ومعالجة آثار الجفاف". وقالت مصادر رسمية ان الموازنة ترمي الى تحقيق نمو اقتصادي مطرد يضمن الاستقرار وترسيخ الثقة لدى الفاعلية الاقتصادية وتقوية جاذبية البلاد لرؤوس الاموال الاجنبية.