طالب الجنرال المتقاعد رشيد بن يلس، أمس، "أصحاب القرار" في الجيش الجزائري، بأن يتخلوا عن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. واعتبر ان الخيار الوحيد للخروج من الأزمة يتمثل بأن "يتركوا العسكريين الرئيس بوتفليقة يعود إلى أهله، وهي النية التي عبر عنها مرات عدة، وأن يعلنوا نيتهم في استخلافه برجل من الجيش". واللافت أنها المرة الخامسة في شهرين التي تتحرك فيها أوساط سياسية وعسكرية نافذة في الحكم لتعلن رفضها سياسة بوتفليقة. وكان أبرز التصريحات الصادرة ضد الرئيس تلك التي أطلقها وزير الدفاع السابق اللواء خالد نزار، حين حذره من "مخاطر قرارات غير مدروسة بصفة كاملة قد تمس أركان الجمهورية"، قبل أن يتحرك رئيس الحكومة السابق سيد أحمد غزالي، المعروف بعلاقاته مع مسؤولين في المؤسسة العسكرية، ليتحدث في مقابلة مع "الحياة"، عن محاولات رئيس الجمهورية تحميل الجيش مسؤولية الأمن. وكان الرئيس بوتفليقة أول رجل مدني يصل إلى الحكم في الجزائر، باستثناء الفترة الانتقالية للرئيس علي كافي. ولم يتردد منذ توليه السلطة في محاولة الإمساك بكافة الملفات الأساسية داخل أجهزة الحكم، وهو ما دفعه في كثير من الأحيان إلى اطلاق تصريحات نارية ضد بعض المسؤولين في الجيش والذي قال إنهم يسيئون إلى المؤسسة العسكرية. وفي مقال مطول، نشر يومي الأربعاء والخميس في صحيفة "الوطن"، لاحظ العميد المتقاعد بن يلس، مسؤول القوات البحرية والأمين العام السابق للجيش الجزائري في فترة الثمانينات، ان الجزائر تُسيّر منذ 1992 من "نظام يرفض تحمل مسؤولياته في وضح النهار ويفضلون تحريك الخيوط وراء الستار". وبحسب المسؤول السابق في المؤسسة العسكرية الذي حاول وضع تقويم لحصيلة سنة من حكم الرئيس الجزائري مع "توصيات" مباشرة لأصحاب القرار في الجيش، فإنها "المرة الأولى منذ انقلاب 19 حزيران يونيو 1965 تعود مسؤولية الدولة إلى شخص لم يأتِ مباشرة من صفوف الجيش الوطني الشعبي"، مما دفعه إلى القول إن "هذه المسألة الجديدة التي لا تغير بصفة عامة معطيات السلطة، يمكن أن تكون لها عواقب غير منتظرة في حال تأثيرها على العلاقات القائمة حتى الآن بين الرئاسة والجيش". ولفت إلى أنه في الحالات السابقة التي كان يتولى فيها شخص عسكري منصب رئاسة الدولة كانت العلاقة بين الطرفين "بمنأى عن الهزات الظرفية بفضل التضامن وحميمية العلاقات بين رفاق المؤسسة الواحدة، غير أن هذه العلاقات تصبح قابلة للتأثر عندما تتباعد تلك الروابط مثلما هو الحال اليوم" يقصد بين الرئاسة والجيش والتي أصبحت تتميز ب"ثقة أقل، ومعرضة لسوء التفاهم والذي إن لم يعالج في وقته، يمكنه أن يتحول خلافات تزيد في حدتها التصريحات غير المتحكم فيها. فتهتز الثقة ويتغلغل الشك ويحل التردد". وقال إن هذا ما يفسر "حال الركود وعدم التجند التي يعرفها البلد منذ التغييرات الأخيرة التي جرت في قمة السلطة". وقال إن التغييرات كانت جزئية فقط "لأن هذا من طبيعة النظام القائم منذ 1992 والذي لم يكن بوتفليقة إلا آخر متغيراته". وكان مختلف الرؤساء السابقون عسكريين بالدرجة الأولى وكانوا يصلون إلى حلول مرضية للرئاسة والجيش في آن. فقد قرر الرئيس الشاذلي بن جديد التنحي عن الحكم في 11 كانون الثاني يناير 1992 بعدما قامت ضده معارضة كبيرة داخل الجيش. وانسحب الرئيس اليمين زروال من الحكم في 11 أيلول سبتمبر 1998 بعد خلافات قامت بينه وبين مسؤولين في المؤسسة العسكرية، بسبب عدد من الملفات أبرزها ملف "هدنة جيش الإنقاذ" و"تجاوزات" مستشاره الجنرال محمد بتشين. وراهن بن يلس على حدوث سيناريو جديد لأزمة الحكم شبيه بما حدث سنة 1994 حين قرر بوتفليقة التخلي عن الحكم قبل ساعات فقط من تنصيبه في "ندوة الوفاق الوطني". وحل وقتها محله الجنرال اليمين زروال وزير الدفاع. ورأى بن يلس ان صنّاع القرار يدعمون فكرة بوتفليقة في اجراء استفتاء شعبي على دستور جديد والذي يتضمن استحداث منصب نائب للرئيس كآخر ورقة تمكنهم من تفادي الوقوع في أزمة الحكم. وقال: "سيتم استحداث منصب نائب رئيس الدولة يتولى رئاسة الحكم في حال شغور المنصب أو بروز مانع معين يحول دون المرور بالاقتراع" لانتخاب رئيس جديد. ورجح ان تسند المسؤولية إلى أحمد أويحيى الذي يوصف ب"وريث" بوتفليقة. وفي رأي بن يلس، فإن سلطة الدولة "لم تكن غائبة في أي وقت مثلما هي عليه لآن. والاستيلاء على الممتلكات العمومية لم تكن بالغة الأهمية مثلما هي عليه الآن. والرشوى متفشية وجريئة حتى في وضح النهار بعدما تلقى السارقون ضمانات من السلطة بأنها ستغض الطرف عن أصل الممتلكات المكتسبة بطريقة غير شرعية". وقال إن التعددية السياسية عرفت، هي الأخرى. تأثراً واضحاً من جراء "غلق" المجال السياسي والإعلامي. وذكر بأن "التعددية الحزبية التي حاول أخذ مكان لها في الساحة خلال السنوات الماضية، بدأت تختفي أمام ظاهرة الرجل الاستعراضي الوحيد، والذي احتكر وسائل الإعلام العمومية إلى درجة لم تعرفها البلاد خلال فترة الحزب الواحد. ليس هناك مجال سواء لأحزاب المعارضة، كما أنه ليس هناك مجال لأحزاب الائتلاف الحكومي ولا حتى للحكومة والتي تقلصت الهالة الرئاسية". ومع إشارته إلى محاولات بوتفليقة أن يكون "الوريث الروحي للرئيس هواري بومدين"، لاحظ ان "صنّاع القرار في الجزائر اكتشفوا، بعد سنة من رئاسة بوتفليقة للحكم، بعض مظاهر شخصيته المعقدة بما في ذلك جانبه المبالغ فيه وقدراته في التصلب في المواقف. فهم يدركون الآن أنه جاء باختيارهم السيئ، لكنهم لا يستطيعون الاعتراف بخطأهم من دون التعبير عن إدانتهم الخاصة، سيما وأنه لا خيار لديهم الآن إلا محاولة تقليص الخسائر. وهم لا يستطيعون التعبير عن رفضهم للرجل الذي وضعوه في سدة الحكم قبل سنة".