طبيعي جداً ان يتفهم الملك عبدالله الثاني مطالبة غالبية اعضاء مجلس النواب بإقالة الحكومة. وطبيعي ايضاً ان يصل عدد النواب الذين وقعوا على المذكرة النيابية الى اكثر من ثلثي اعضاء المجلس وهو ما ينسجم مع المزاج العام إزاء استفحال الاوضاع السياسية والاقتصادية على مختلف الصعد. فالمذكرة لم تأت من فراغ او من خارج السياق، وهي لا تعبر عن غالبية الشعب الاردني من حيث العدد فحسب، بل ايضاً عن النخب السياسية والتنظيمات الحزبية والنقابية المعارضة والموالية التي تحركت خلال الاشهر الاخيرة لتقرع جرس الانذار ازاء سياسات أقل ما يمكن ان توصف به انها وضعت الحكومة في صدام مع المجتمع بكافة اطيافه. فالحكومة التي كانت حصلت على دعم غير مسبوق لدى تشكيلها قبل عام بسبب الرغبة العارمة بدعم الملك الجديد، تحظى اليوم بمعارضة شاملة غير مسبوقة ايضاً بغض النظر عن وسائل التعبير عن هذه المعارضة التي قادها ابناء النظام قبل معارضيه. ولعله لم يبق احد، من كبار رجال الدولة الاردنيين، الذي لم يخرج عن صمته خلال الفترة الاخيرة للتحذير من خطورة استمرار النهج الحالي على الوحدة الوطنية والامن الاقتصادي والاجتماعي في المملكة الرابعة. واذا كان بعض الاستحقاقات الاقتصادية يستوجب من وجهة نظر فنية استمرار الحكومة الحالية لمدة اقصاها شهران اضافيان، اي الى ما بعد الدورة البرلمانية الاستثنائية، فإن ذلك لا يلغي حقيقة ان حكومة رئيس الوزراء عبدالرؤوف الروابدة انتهت منذ اللحظة التي التقى فيها الملك رئيس مجلس النواب عبدالهادي المجالي وتسلم المذكرة النيابية التي سحبت الثقة التي كان منحها المجلس للحكومة. اي ان الحكومة باتت تفتقر الآن الى الشرعية السياسية وإن كانت لا تزال تحتفظ بشرعية دستورية الى حين، متكئة الى الرصيد السياسي للملك. المهم في ما حدث هو الاعتراف بأن تراجع الديموقراطية وحرية التعبير، واختلال التوازن بين السلطات في الدولة، واستفحال المحاباة الجهوية الجغرافية والشللية في عهد الحكومة الحالية... كانت عوامل ساهمت في تفاقم الاحتقانات وتعميق الشعور بالأزمة الى حد بات يشكل تهديداً حقيقياً لمستقبل المملكة الرابعة، رغم توجيهات الملك الاصلاحية المعلنة. ومهم ايضاً ان يعطي الانقلاب النيابي والحزبي والنقابي الاخير على الحكومة درساً يستفاد منه عند تشكيل حكومة جديدة يفترض فيها ان تعيد مسيرة التحول الديموقراطي الى مسارها الطبيعي، وتعزز الوحدة الوطنية من خلال تدعيم مبادىء الحق والعدل والمساواة بين المواطنين. واذا كانت الخطوة البرلمانية التاريخية هذه تعبر عن شيء فهي تعبر للمرة الاولى بهذا الشكل عن تحالف مختلف الاطياف السياسية من الموالين والمعارضين في خدمة هدف وطني كبير يتعالى على الخلافات والاختلافات السياسية. ولعله ليس متأخراً جداً ان تسعى الحكومة الحالية خلال الفترة القصيرة المتبقية من عمرها الى استدراك بعض السياسات والاجراءات التي اقدمت عليها منذ تشكيلها، عسى ان تخرج في حزيران يونيو المقبل في صورة اقل سوءاً مما هي عليه اليوم.