لم تعد القاهرة وحدها بين العواصم العربية، ولا بيروت أيضاً، حكراً على جماعات التكفير، فقد انتقلت العدوى أخيراً الى العاصمة الأردنيةعمان، فأخذنا نشهد - لأول مرة في تاريخ المملكة ربما، وحسب علمنا - حملة تكفير الشاعر والصحافي الأردني موسى الحوامدة، وهدر دمه، وتطليق زوجته لكونه مرتداً، إذا لم يعلن التوبة عما جاء في قصيدته "يوسف" التي تضمنها كتابه الشعري "شجري أعلى" صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر - 1999. كما شملت الحملة لاحقاً مجموعة شعرية أصدرها الناشر نفسه بعنوان "خزانة للأسف" للشاعر زياد العنّاني، تم حظر تداولها بحجة مساسها ب"القيم الدينية". و"يوسف" في قصيدة الحوامدة - كما أراده الشاعر - ليس هو نفسه النبي الذي وردت سيرته في القرآن الكريم، إذ لا يستعير منه سوى الاسم واسم زليخة، لكنه - من جهة - يرسم ملامح شخصية جديدة فيتحدث عن "ولد مطرود يعمل خبازاً أو ناطوراً"، وهو - من جهة أخرى - يقلب العلاقة المذكورة في القرآن الكريم الى نقيضها، فيوسف - عند الشاعر - يهودي / صهيوني يتخيل لقاءه الملكة "يتوهم أن تعشقه الملكة / ويغالي في السرد / فيوهم إخوته ان المصريات يضاجعن الاسرائيليين ويعشقن رجال الموساد". أما مطلع القصيدة الذي يستعير فيه قصة "الجب" و"الذئب" فلا تبدو سوى ابتعاد عن الشخصية القرآنية في اتجاه بناء شخصية معاصرة. قد يرى ناقد أن نص حوامدة بسيط ومباشر، أو حتى ضعيف على صعيد البنية الشعرية والرؤية أيضاً، وهذا رأي في فنية القصيدة تحكمه معايير شعرية، أما التفسير الفقهي والديني للنص فهو محاكمة غريبة للشعر تتعامل معه كما لو أنه نص تأريخي مطلوب منه أن يكون موضوعياً وعلمياً حتى! كانت الحملة انطلقت من المساجد في خطبة الجمعة، ووصلت الى المحاكم المختصة، وما بينهما كان موقف دائرة المطبوعات التي أصدرت قراراً بمصادرة الكتاب ومنع تداوله، وحركت دعوى جزائية ضد الشاعر، وذلك - بحسب مدير دائرة المطبوعات حسين أبو عرابي - بسبب "الإساءة التي تضمنها الكتاب للدين والأخلاق الإسلامية..." ولأن "العديد من المواطنين اتصلوا به محتجين على ما جاء في الكتاب". ويبرر بعض مصادر الدائرة نفسها قرار المنع بوجود تغييرات على النص المجاز، فيما يؤكد الشاعر أن التغيير الوحيد الذي أجراه هو في عنوان الديون، فقد أجازته المطبوعات باسم "استحق اللعنة" وقام بتغييره الى العنوان المذكور. وتتحمل الدائرة مسؤولية اجازة كتاب لم يقدم مؤلفه سوى النسخة الوحيدة التي جرت إجازتها، بينما يحدد قانونها التقدم بنسختين لتحتفظ الدائرة بنسخة منهما، فكيف نلغي القانون لمصلحة ما سماه المصدر ب"الثقة المتبادلة مع الكاتب"؟ هذه واحدة. أما الفتاوى الحامية، والتي تُطلق بدم بارد، وبثقة مطلقة ممن يطلقونها بأنهم وحدهم حراس الدين، فقد جاءت من أعلى المستويات "والمرجعيات" الدينية في الأردن، تأكيداً - ربما - على خطورة القضية وحساسيتها، فالأمر يرتبط بإهانة للمقدسات. فالقصيدة - كما اعلن وزير الأوقاف عبدالسلام العبادي "فيها نوع من السباب والشتائم على الدين الاسلامي وعلى نبينا يوسف وإنكار لما ورد في القرآن الكريم"، معتبراً ما جاء في القصيدة "تهجماً من دون أي فكر أو معالجة موضوعية أو طرح رؤية تاريخية، مما لا يدخل، لا من بعيد أو قريب، في حرية الرأي والفكر والتأليف و.. الخ". وفي حين ذكرت صحيفة اسبوعية اردنية الساعة أن وزير الأوقاف السابق ابراهيم زيد الكيلاني وصف حوامدة ب"الموساد، ويهدف الى خلق الفتن والصراعات الداخلية، وهو يكذّب القرآن، لأن قصة سيدنا يوسف وردت في القرآن، وحكم الشرع في من يكذّب القرآن.. القتل، إن لم يتُبْ..."، أوردت صحيفة أردنية أخرى البلاد نفي الكيلاني أن يكون صرح بذلك أو قابل مندوباً لصحيفة "الساعة"، كما نفى أن يكون أصدر فتوى بهذا الصدد، لكنه "استدرك - بحسب "البلاد" - قائلاً: ولكن، إذا ثبت أن الشاعر قال ما نسب اليه فحينها سنعمل على استدعائه ومساءلته أمام مجلس إفتاء، ومن ثم سيصار الى استتابته وإن لم يتب فسنرفع دعوى ضده أمام القضاء، ذلك أن ما ينسب اليه يعد تكذيباً للقرآن الكريم". أما النائب السابق الشيخ عبدالمنعم أبو زنط، فصرح لوكالة أنباء أنه "يعتبر الذي كتبه الشاعر في تلك القصيدة كفراً ويؤدي الى الردة عن الاسلام وينبغي أن يستتاب من صدر عنه ذلك: أن يلتقي الكيلاني والحوامدة وتجرى استتابة الأخير على يد الأول.. كما يُلزّم حوامدة، بعد التوبة بإعادة عقد الزواج الشرعي"، إذ أن من نتائج الردة، كما أكد أبو زنط - وهو من أبرز الناشطين الاسلاميين، وأحد خطباء الجمعة الذين تمنعهم الحكومة من الخطبة - أن يصبح الزواج باطلاً وأن يفرّق بين المرتد وزوجته، وإذا مات المرتد لا يصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين...". وإذا لم يتب المرتد، فعلى الحاكم - كما يضيف أبو زنط "تنفيذ الحكم الشرعي بقتل المرتد"، وهو يؤكد أن الحكومة فقط هي المنوط بها تنفيذ هذه الخطوات حتى لا تسود الفوضى المجتمع. ويبدو جلياً أن إناطة التنفيذ بالحكومة جاءت بعد التصريح التحذيري على لسان وزير الاعلام صالح القلاب الذي أعلن "ان المساءلة عن أي تجاوز من قبل أي مواطن أردني هي مسؤولية الدولة وأجهزتها وقضائها، فالحكومة هي التي تطبق القوانين ولا يمكن أن تسمح لأي جهة حزبية أو غير حزبية أن تأخذ بيدها القانون والعقاب. و إذا كانت المسألة تتعلق بالمس بالدين فهناك وزارة الأوقاف وجهات رسمية معنية بالشؤون الإسلامية هي التي تنظر في أي تجاوز وتتولى مسؤولية مواجهته. وكان الوزير أشار الى أن دائرة المطبوعات هي التي كشفت موضوع الكتاب وهي التي تتابع المسألة! ويقول الشاعر موسى الحوامدة: "أنا مسلم، وإيماني عميق بالقرآن الكريم وأحترم جميع الكتب السماوية، ولم أكن أسعى من وراء هذه القصيدة إلى نفي قصة النبي يوسف، ولكن من حق الشاعر أن يستقي رموزاً تاريخية يسقطها على الواقع الراهن، والدليل أنني تحدثت عن الاستخبارات الاسرائيلية موساد التي لم تكن موجودة قديماً". ويتابع منفعلاً: "لقد اتصل أكثر من شيخ بزوجتي لإقناعها بالانفصال عني. يريدون حرقي، واتصل البعض بأهلي في السموع قريتي في الخليل لتشويه صورتي والتحريض على قتلي". وحينما يهدأ قليلاً: "سأرفع دعوى رد اعتبار ضد دائرة المطبوعات، وضد كل من هددني أو اتهمني بالكفر وبالردة. انهم يستسهلون الحكم على البشر بالقتل، ويدخلون بيننا وبين زوجاتنا. في أي زمن نحن؟".