استفاد بعض البورصات العربية عام 1999 والربع الأول للسنة 2000 من ارتفاع اسعار النفط وعودة ثقة المستثمرين الى الاسواق الناشئة في حين تراجع أداء بورصات عربية اخرى بسبب تدني معدلات النمو الاقتصادي وتأخر عمليات الاصلاح والتخصيص. وبشكل عام زادت القيمة السوقية للبورصات العربية عام 1999 بنسبة 13.5 في المئة من 163 بليون دولار عام 1998 الى نحو 185 بليون دولار عام 1999. وحققت سوق الأسهم التونسية أفضل أداء بين أسواق الاسهم العربية العام الماضي، وارتفع مؤشر السوق بنسبة 74 في المئة بالعملة المحلية أو بنسبة 57 في المئة بالدولار، مقارنة مع ارتفاع طفيف نسبته 1 في المئة عام 1998 وانخفاض نسبته 21.6 في المئة عام 1997. ويُعزى هذا الاداء الجيد للاسهم التونسية الى النمو الاقتصادي القوي، وتراجع اسعار الفائدة، والنتائج المالية الجيدة للشركات، والحوافز الضريبية، وانتعاش القطاع الصناعي. واستمر الأداء الجيد للسوق التونسية في الربع الأول من السنة 2000 وارتفع مؤشر السوق بنسبة 33.3 في المئة. وسجلت سوق فلسطين للاوراق المالية ثاني أفضل أداء في المنطقة العربية، وارتفع مؤشر القدس بنسبة 52.8 في المئة مقابل 11.5 في المئة و39 في المئة للاعوام 1998 و1997 على التوالي، واستمر التحسن خلال الربع الأول وارتفع المؤشر بنسبة 20 في المئة. ويعزى هذا التحسن بشكل رئيسي الى المكاسب القوية التي حققتها شركة "الاتصالات الفلسطينية" وزيادة السيولة وحجم التداول ودخول صناديق الاستثمار الاجنبية الى السوق الفلسطينية. وارتفع سعر سهم شركة "الاتصالات" بنسبة 66 في المئة العام الماضي و20 في المئة خلال الربع الأول لهذا العام وهذه الشركة تشكل 47 في المئة من القيمة السوقية للاسهم الفلسطينية. في مصر، ارتفع مؤشر السوق بنسبة 43.8 في المئة العام الماضي مقابل تراجع بنسبة 14.7 في المئة لعام 1998، وارتفع بنسبة 8.3 في المئة خلال الربع الأول من السنة الجارية. وجاء تحسن السوق المصرية بسبب التوقعات المتفائلة نحو الاستثمار في السوق وأسعار الاسهم الجذابة والأداء القوي للاقتصاد المصري وتعيين حكومة جديدة في أواخر العام الماضي. كذلك أعطى الارتفاع الكبير الذي سجلته اسعار أسهم شركة الهاتف المتنقل "موبينيل" الذي جاء في حدود 679 في المئة دفعة قوية لسوق الاسهم المصرية العام الماضي. في السعودية، ارتفع مؤشر السوق بنسبة 43.6 في المئة في عام 1999 مقابل تراجع نسبته 28 في المئة في عام 1998 وارتفاع نسبته 28 في المئة في عام 1997. وسجلت السوق السعودية العام الماضي ثاني أفضل أداء لها منذ تأسيسها عام 1985 بعد الأداء الذي حققته عام 1991 وارتفع مؤشر السوق بنسبة 83 في المئة. وجاء معظم الارتفاع في الاسعار خلال الربعين الثالث والرابع من العام الماضي، وسجل المؤشر ارتفاعاً بنسبة 13.7 في المئة و21 في المئة على التوالي وذلك بسبب الزيادة الكبيرة في اسعار النفط التي اعطت دفعة للاقتصاد السعودي، اضافة الى سماح الحكومة للاجانب بشراء الاسهم السعودية من خلال صناديق استثمارية. غير ان مؤشر السوق تراجع بنسبة 2 في المئة خلال الربع الأول من السنة. في عُمان، ارتفع مؤشر السوق بنسبة 9.5 في المئة عام 1999 مقارنة مع تراجع نسبته 54 في المئة عام 1998، وقد تركز ارتفاع مؤشر السوق العام الماضي في الربعين الثاني والثالث في حين تراجع المؤشر في تشرين الأول وتشرين الثاني، واستمر تراجعه في الربع الأول من السنة بسبب شح السيولة المتاحة وضعف النتائج المالية للشركات المدرجة. في البحرين، ارتفع مؤشر السوق بنسبة 1.1 في المئة العام الماضي، وهو يقارب الارتفاع الذي حققه السوق لعام 1998 في حين تراجع بنسبة 7.6 في المئة خلال الربع الأول من السنة. ويعود جزء من ضعف أداء السوق البحرينية الى ارتباطه مع السوق الكويتية من خلال الاسهم البحرينيةوالكويتية ذات الادراج المشترك في السوقين. في الكويت، تراجع مؤشر السوق بنسبة 58.9 في المئة العام الماضي مقابل تراجع بنسبة 41 في المئة عام 1998 وارتفاع بنسبة 40 في المئة في عام 1997. وسجل مؤشر السوق أقل مستوى له خلال الأربع سنوات الماضية في تشرين الثاني 1999 وذلك بسبب القلق السياسي والنتائج المالية الضعيفة للشركات المدرجة وقرار تصفية شركة الاستثمارات الدولية الكويتية. وتابع مؤشر السوق تراجعه في الربع الأول من السنة، منخفضاً بنسبة 4.4 في المئة. في دولة الامارات، سجلت سوق الاسهم اسوأ أداء العام الماضي وتراجع مؤشر السوق بنسبة 17.9 في المئة مقارنة مع ارتفاع نسبته 9 في المئة عام 1998 و32 في المئة في عام 1997. كذلك تراجع المؤشر بنسبة 1 في المئة خلال الربع الأول لهذا العام بسبب ترقب المستثمرين لافتتاح سوق الاسهم الرسمي. وفي قطر التي حققت سوق الاسهم أفضل أداء بين الاسواق العربية عام 1998 مرتفعة بنسبة 34.4 في المئة وتراجع مؤشر السوق بنسبة 0.4 في المئة عام 1999، وبنسبة 10 في المئة خلال الفصل الأول من السنة الجارية. في لبنان، سجلت سوق الاسهم أسوأ أداء بين الاسواق العربية عام 1999 وانخفض مؤشر السوق بنسبة 20.9 في المئة بعد انخفاض في حدود 32 في المئة عام 1998، ويعزى الأداء السيئ للسوق الى تراجع معدل التداول الى 90.5 مليون دولار أي 27 في المئة عما كان عليه عام 1998، وتوقف مفاوضات السلام التي ألقت بظلالها على السوق خلال الفصل الأول لهذا العام حيث تراجع المؤشر بنسبة 12.6 في المئة. في المغرب، تراجع مؤشر السوق بنسبة 3.3 في المئة عام 1999 و5.32 في المئة في الربع الأول من السنة الجارية مقارنة مع ارتفاع نسبته 20 في المئة عام 1998 و48 في المئة في عام 1997. ويعود هذا الأداء الضعيف الى تقلص النمو الاقتصادي الذي بلغ 0.2 في المئة عام 1999 بسبب حالة الجفاف التي ضربت البلاد، والنتائج المالية الضعيفة للشركات والتي تم الاعلان عنها في الربع الأول لهذا العام. في الأردن، تراجع مؤشر السوق بنسبة 1.6 في المئة عام 1999 مقابل ارتفاع نسبته 0.5 في المئة عام 1998. ويعود هذا التراجع الى الركود الاقتصادي وتدني الاستثمارات الاجنبية وتراجع ارباح الشركات المدرجة. وبلغت حصة الاستثمار الاجنبي في بورصة عمان نحو 44 في المئة من اجمالي القيمة السوقية للبورصة عام 1999 وهي الحصة نفسها لعام 1998. واستمر تراجع المؤشر في الفصل الاول للسنة الجارية وانخفض بنسبة 8 في المئة وذلك بعد الاعلان عن النتائج المالية الضعيفة للشركات واستمرار تدني معدلات النمو الاقتصادي. النواحي الايجابية لأسواق الأسهم العربية ليس هناك مغالات في اسعار الاسهم العربية، بل على العكس فإن معظمها اليوم يتم تداولها باسعار جذابة كما انه ليس هناك علاقة ارتباط قوية بينها وبين اسواق الاسهم الناشئة الاخرى واسواق الاسهم المتقدمة. وعلى رغم ان هذا الوضع يُتوقع له ان يتغير في المستقبل المنظور الا ان هذه الاسواق تتيح اليوم فرصة جيدة لتنويع المخاطر للمستثمر الدولي. ويعتمد مديرو الصناديق الاستثمارية الدولية عند اخذ قرار الاستثمار في سهم معين اولاً على اداء هذا السهم والعائد المحقق ثم على قيمته السوقية وعلى سيولته او حجم تداوله اليومي. فالشركة التي تتجاوز قيمة اسهمها السوقي 50 مليون دولار ويبلغ تداولها اليومي على الاقل مليون دولار تعتبر اسهمها سائلة اي يمكن شراؤها وبيعها دون صعوبة عند الحاجة. واذا ما طبّقت هذه القاعدة على اسواق الاسهم العربية فلن يجد مديرو الصناديق الدولية سوى اسهم قليلة الاستثمار فيها، منها سهمان في بورصة القاهرة هما شركة "موبينيل" و"البنك التجاري الدولي" وسهم او سهمان في اسواق عربية اخرى. يواجه عدد من الشركات العائلية في المنطقة العربية مشاكل سبق ان واجهتها الشركات المماثلة في مناطق اخرى من العالم مثل مسائل الوراثة والحاجة الى زيادة رأس المال، او التخلي عن الملكية اما جزئياً او كلياً. وكما هو معروف عالمياً فان الشركات العائلية ستصبح مع مرور الزمن شركات مساهمة عامة مع احتمال ان تحتفظ العائلة المؤسسة بحصة من الشركة في حين تنتقل الادارة الى أناس محترفين. ويؤدي هذا الاتجاه الى توافر عدد اكبر من الشركات التي يمكن ان تدرج في سوق الاسهم، متيحاً فرصاً اكبر امام المستثمرين ومؤدية الى زيادة كمية ونوعية الاسهم المعروضة في السوق، علاوة على افساح المجال امام المؤسسين من العائلات لاسالة بعض موجوداتها. وادى ازدهار اسواق الاسهم الاميركية، خصوصاً في سوق "ناسداك" الذي تدرج عليه شركات تكنولوجيا المعلومات في الاعوام الاخيرة الى منافسة قوية لاسواق الاسهم الاخرى بما فيها الاسواق العربية، لذلك فانه اذا سجل سوق الاسهم الاميركية اداءً ضعيفاً السنة الجارية فانه سيشجع عودة المستثمرين الى البحث عن اسواق اخرى، وقد نرى عندها عودة ولو جزءاً من رؤوس الاموال العربية للاستثمار في الاسواق المحلية. ومع انه لا يتوقع ان تحدث تغيرات كبيرة على التدفقات الرأسمالية الى المنطقة في المستقبل المنظور فان اي زيادة حتى ولو كانت صغيرة نسبياً ستنعكس ايجابياً على اداء البورصات المحلية. اتخذت سوق الاسهم العربية خطوات حثيثة العام الماضي لتعزيز مكانتها على خارطة الاستثمار الدولي، وتم تحديث وتطوير تجهيزات التداول في بعض هذه الاسواق مثل بورصات البحرينوالقاهرة والاسكندرية والدوحة، وتفاوض السلطات السعودية لشراء نظام تداول آلي، في حين انه تم ادخال التداول الالكتروني في كل من اسواق الاسهم الاردنية والعُمانية. وقام عدد من الاسواق باعداد ربط شبكي يُمكّن الوسطاء من التداول من اماكن خارج قاعدة التداول، الى جانب اضافة تكنولوجيا نشر المعلومات الكترونياً ومن خلال شبكة الانترنت. ولم تقتصر التغيرات على تحديث تجهيزات التداول في اسواق الاسهم العربية بل شملت تطوير الافصاح وآلية مراقبة وملاحقة الذين يتداولون الاسهم معتمدين على معومات من الداخل. وتمت اعادة هيكلة سوق مسقط للاوراق المالية العام الماضي وذلك بتقسيمه الى ثلاث وحدات هي وحدة تداول الاسهم ووحدة الايداع ووحدة الرقابة والتنظيم. والغيت القيود المفروضة على الملكية الاجنبية للاسهم في عدد من اسواق دول المنطقة، ففي البحرين، تم اصدار قانون جديد في شهر آذار مارس الماضي سمح بموجبه لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي بتملّك نسبة 100 في المئة من الشركات المحلية المدرجة في حين سُمح لغير مواطني دول مجلس التعاون الخليجي بتملك نسبة تصل الى 49 في المئة، وصرحت وزارة التجارة البحرينية انه يمكن زيادة هذه النسبة الى 100 في المئة اذا وجدت ان هذه الخطوة ستخدم الاقتصاد الوطني. كذلك أقرت الكويت مجموعة قوانين تسمح للاجانب بشراء اسهم الشركات المدرجة في سوق الاسهم الكويتي والمساهمة في تأسيس شركات تدرج في السوق من خلال صناديق استثمارية مدارة من قبل مؤسسات مالية كويتية. وستسمح السعودية قريباً للاجانب الاستثمار في الاسهم المحلية من خلال صناديق الاستثمار التي تديرها المصارف السعودية. كذلك تخطط قطر لفتح ابوابها امام الاستثمار الاجنبي السنة الجارية. وبعد انتظار طويل، وتم افتتاح سوق الاسهم الرسمي في دولة الامارات واصبح في بداية نيسان ابريل من هذه السنة قاعة للتداول في دبي. ويتوقع لأداء بعض اسواق الاسهم العربية ان يكون افضل السنة الجارية بسبب تحسّن آفاق النمو الاقتصادي وعودة الثقة الى اسواق الاسهم الناشئة ولعدم وجود مغالات في مستويات اسعار عدد من الاسهم المدرجة في هذه الاسواق، في حين ان اسواق اسهم اخرى في المنطقة لا زال يعاني من ضعف النمو الاقتصادي وتراجع ثقة المستثمرين بشكل عام. وفي تونس يتوقع ان يؤدي النمو الاقتصادي الجيد هذه السنة الى ان تسجل سوق الاسهم افضل اداء لها بين الاسواق العربية للعام الثاني على التوالي. ومع دخول المزيد من صناديق الاستثمار الاجنبي الى سوق الاسهم الفلسطينية وتحسّن اداء كل من شركة الاتصالات الفلسطينية وشركة فلسطين للتنمية والاستثمار، يتوقع لهذه السوق ان تحقق اداء قوياً في السنة 2000. وبالنسبة لسوق الاسهم المصرية يتوقع ان يكون لارتفاع اسعار الفائدة على الجنيه واستمرار مشاكل الصرف تأثير سلبي على اداء السوق هذه السنة، وفي لبنان والاردن فان تأخر عملية السلام وضعف النمو الاقتصادي سيكون لهما تأثير سلبي على مناخ الاستثمار وبالتالي يتوقع ان يبقى اداء كل من سوق الاسهم الاردنية واللبنانية ضعيفاً. اما سوق الاسهم في المغرب فيتوقع لها ان تحقق مكاسب اضافية السنة الجارية بسبب تدني اسعار الاسهم عن قيمتها الحقيقية وتحسن الاوضاع الاقتصادية في البلاد. وفي الخليج، يتوقع للاسهم السعودية ان تتابع تحسنها في الوقت الذي قد يبقى فيه اداء اسواق الاسهم في كل من قطروالكويت وعُمان والبحرين ضعيفاً نوعاً ما. ويتوقع لاسعار الاسهم في الامارات ان تتحسن بعدما اصبحت هناك سوق رسمية للتداول في دبي. ولا بد للدول العربية من وضع موضع التنفيذ عدد من الاجراءات الهادفة الى تعزيز دور اسواق الاسهم لديها واعطاءها العمق والسيولة المطلوبة لكي تلعب دوراً اكبر في عملية التنمية الاقتصادية. وتشمل هذه الاجراءات اولاً، ضرورة تنفيذ السياسات المالية والنقدية السليمة وتحسين مقومات الاقتصاد بهدف تقليل مخاطر الاستثمار في اسواق دول المنطقة. ثانياً، وضع متطلبات افصاح مالي اكثر صرامة للشركات المدرجة وقيام هيئات رقابية فعالة تزيد من شفافية اسواق الاسهم وتشجع على تدفق رؤوس الاموال للاستثمار في هذه الاسواق. ثالثاً، على الحكومات تخصيص المزيد من الشركات لديها وبيع ما تبقى لها من اسهم في شركات الاتصالات والهاتف المتنقل والمعلوماتية وغيرها من الشركات المرتبطة بالتكنولوجيا وذلك لاضافة اسهم مثل هذه الشركات على البورصات المحلية. فمثل هذه الاسهم اصبحت اليوم تعتبر عامل جذب رئيسي للمستثمر المحلي والاجنبي. رابعاً، قيام صناديق رأس المال المخاطر والتي تستثمر في شركات حديثة التأسيس تعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات والتي لها مخاطر مرتفعة وايضا عوائد كبيرة على الاستثمار. خامساً، قيام سوق اقليمية شبيهة بسوق "ناسداك" في الولاياتالمتحدة وغيرها، لادراج اسهم الشركات الحديثة التأسيس تعمل في قطاع التكنولوجيا والمعلومات والتي يصعب ادراجها في اسواق الاسهم الرسمية لدول المنطقة. فوجود مثل هذا السوق يوفّر امكانية خروج او تسييل الاستثمارات في صناديق رأس المال المخاطر مما سيشجع على زيادة تدفقات رؤوس الاموال لهذه الصناديق. سادساً، تخصيص شركات المرافق العامة والبنوك والشركات الصناعية الرئيسية الاخرى وذلك لتوفير اسهم ذات قيمة رأسمالية كبيرة وسيولة مرتفعة والتي هي محط اهتمام صناديق الاستثمار العالمية. * كبير الاقتصاديين وعضو منتدب مجموعة الشرق الاوسط للاستثمار.