تشهد الشارقة نشاطات ثقافية وعمرانية متواصلة، تشمل مختلف الميادين العلمية والتربوية والاجتماعية والفنية والأدبية والمسرحية، امتداداً للدور الذي عرفت به، فيلتقي الكتّاب والعلماء والمفكرون والفنانون والأدباء العرب للحوار والنقاش البنّاء في الندوات السنوية التي تنعقد بين ربوعها، ضمن عضويتها في دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن موسم الربيع يتميّز بنشاطاته من حيث تدشين المشاريع الجديدة، أو انعقاد المهرجانات السنوية الدورية، ومن أبرزها الملتقى السنوي للأطفال العرب، الذي انعقد هذا العام للمرة الخامسة، والذي يدعى اليه تلامذة وتلميذات من اثنتين وعشرين دولة عربية، للتلاقي فوق أرض الشارقة، وزيارة معالمها الثقافية، للتعارف والتقارب في جوّ من الانفتاح. والبرنامج المنوع الذي يتم اعداده كل عام للأطفال المدعوين يزوّدهم بالمعلومات الغنية عن المرافق التي يزورونها ويشاهدونها فيعودون الى بلادهم أكثر استعداداً لتفهم هويتهم العربية، ولممارسة قواعد الأخوّة العربية الشاملة مع تقدمهم في العمر وفي المعرفة. وفي انتهاء برنامج الأطفال العرب وزيارتهم للشارقة هذا العام أعلن عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي أنه سيطوّر هذا اللقاء السنوي الى ما هو أعمّ وأعمق، في المسيرة الثقافية الشاملة التي تنطلق بها الشارقة بعدما بلغت مرحلة انشاء الجامعات، وأكبرها جامعة الشارقة التي شيدت عام 1999، والجامعة الأميركية التي أنشئت على أرض الشارقة. والتطوير المنتظر للقاء الأطفال السنوي، هو إقامة برلمان عربي للأطفال، يجتمع سنوياً ويناقش فيه الأطفال قضايا الحياة والمجتمع والعالم العربي والإسلامي بلوغاً الى العالم كله، بعدما أصبحت وسائل الاتصال متوافرة والمعلومات سهلة الوصول الى مدارسهم، وفي معاهد الشارقة ومؤسساتها التعليمية الكثير من أدوات التكنولوجيا الحديثة. وسبق لباريس ان شهدت في خريف العام 1999 تنظيم "البرلمان العالمي للأطفال" بمبادرة من منظمة اليونسكو و"الجمعية الوطنية الفرنسية" حيث دعي التلامذة من مختلف البلدان الأعضاء في اليونيسكو، الى العاصمة الفرنسية يتعارفون ويتحاورون ويتناقشون في أمور الدنيا والكون، وهم في أعمار تتراوح بين الثانية عشرة والرابعة عشرة، وأسفرت اجتماعاتهم داخل مقر المجلس النيابي الفرنسي عن مجموعة آراء ومطالب تتعلق بالدعوة الى السلام، ومكافحة العنصرية والتعصب، ومناصرة حرية المعتقد، وحق العمل، والدفاع عن البيئة، إضافة الى القضايا المطروحة يومياً في مداولات رجال الفكر والسياسة. وهي مرحلة، وصل اليها أطفال العالم، في باريس، بعدما كانت الجمعية الوطنية الفرنسية لسنتين سبقتا "البرلمان العالمي للأطفال"، تدعو أطفالاً من المدارس الفرنسية للاجتماع في مقرها، والجلوس على مقاعد النواب ممثلي الشعب، للكلام عن آمال المستقبل المنشودة والاصلاحات العامة التي يُطالب بها الأطفال الواعون الناهضون الى مرحلة الرجولة والمسؤولية. وإذا كان الانصاف يوجب القول، ان بادرة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، سبقت البادرة الفرنسية بسنتين، وان قوة الفكرة العربية الأصيلة كفيلة بإنجاح "البرلمان العربي للأطفال"، ولو تمتعت "اليونيسكو" و"الجمعية الوطنية الفرنسية" بوسائل وامكانات أوسع، جعلتهما تستضيفان أطفالاً من مئة وسبعين بلداً، فإن ما لا شك فيه، ان تنجح بادرة الشارقة بدورها. ان لدى الأطفال العرب الكثير من المواضيع التي يمكنهم درسها وبحثها والتعبير عن مشاعرهم وآرائهم حيالها كي يرفعوا صوت الأجيال الناشئة عالياً وينادوا بحقوق السيادة والاستقلال والسلام، والدفاع عن القيم العربية في خدمة الخير والجمال والتسامح والنهوض العلمي والأدبي والتقني لما يخدم المجتمع العربي في مختلف أقطاره، وما يمكن الإنسان العربي من اطلالة سريعة على بقية الشعوب والحضارات، للتفاعل وإياها في ما يدعم العلاقات العربية مع الخارج، ابتداء من التربية العائلية والمدرسية، حتى مراحل العمل ومجالاته المتاحة في ما بعد أمام الشباب العربي وهو ينشأ منذ طفولته الآن على أخبار العولمة ومشاريعها التي ستتصل بجميع جوانب الحياة العربية، ولا يجوز للعرب أن يستمروا متأخرين عن التنبّه لها والاستعداد لمواجهتها. * كاتب لبناني.