بإعلان المغرب أنه ذاهب إلى استفتاء الصحراء الغربية في موعد لا يزيد عن خمسة أشهر، يكون ملف النزاع القائم في منطقة الشمال الافريقي دخل منعطفاً حاسماً، إن لجهة تنظيم الاستشارة الشعبية لتقرير المصير في ظروف تطبعها الحرية والشفافية تحت مظلة الأممالمتحدة، أو العودة إلى نقطة الصفر في حال تعذر ذلك. رسالة الرباط الموجهة إلى الأممالمتحدة لحضها على تسريع خطة التسوية، وإلى جبهة بوليساريو لتأكيد ان المغرب ماضٍ في تنفيذ التزامه، تتضمن إشارات موحية إلى الأطراف الاقليمية وإلى المعنيين بإقرار التوازن في منطقة الشمال الافريقي، بأنه من دون حل نزاع الصحراء الغربية وفق قرارات الشرعية الدولية، فإن أي مشروع لتكريس الأمن والاستقرار يظل ناقصاً، وان العلاقات بين العواصم المغاربية تحديداً بين المغرب والجزائر، لا يمكن ان تنحو في تجاه التفاهم والتكامل من دون ايجاد حل نهائي للتوتر يكون مقبولاً من جميع الأطراف. أما مفهوم الشراكة في العلاقات المغاربية - الأوروبية فإنه يتأثر بتباين مواقف دول المنطقة حول هذه القضية، في حين ان الفضاء الافريقي الذي يعتبر امتداداً طبيعياً وحيوياً لدول الشمال الافريقي لم يسلم منذ اندلاع نزاع الصحراء الغربية من مضاعفاته السلبية التي طاولت العلاقات العربية - الافريقية. ليس ذهاب المغرب نحو الاستفتاء محكوماً بالمعطيات التي تخص الجوانب السياسية والبشرية المرتبطة بتنظيم هذه الاستشارة فحسب، فالمؤاخذات حول مناطق الظل السلبية في تعاطي الأممالمتحدة مع عمليات تحديد الهوية والاجراءات ذات الصلة بالاستفتاء لا تزال قائمة، لكنه مرتبط بتقويم أشمل للأوضاع، في ساحة الميدان وفي النطاق الاقليمي والمستوى الدولي، باعتبار ان النزاع كان من مخلفات الحرب الباردة، ويفترض في المنطقة ان تفيد من التحولات الدولية الراهنة لإنهائه، في ظل التزام خطة التسوية التي أقرتها الأممالمتحدة، ناهيك عن استمرار اكراهاته السلبية في استنزاف طاقات وقدرات المنطقة لفترة تكاد تقارب ربع قرن، لم تنجح ضمنها جهود الوساطات العربية والافريقية والأجنبية في مقاربة الحل النهائي. يتزامن الاعلان عن المبادرة الجديدة لحكومة الرباط مع ترقب جولة الاتصالات التي سيديرها الوسيط الدولي جيمس بيكر مع الأطراف المعنية. والأهم فيها ان المغرب يطالب بالتقيد الحرفي باتفاقات هيوستن، كذلك بالجوانب المتكاملة لخطة التسوية. ولا يعني ذلك أنه يريد أن يحدد الإطار السياسي والقانوني لجولة الاتصالات المرتقبة، فالوسيط بيكر يعرف ان الاتفاقات السابقة كانت بمثابة سقف لا يمكن تجاوزه، وان المطلوب من الأطراف المعنية هو التزام تنفيذ تلك الاتفاقات، في حين ان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يريد ان يتيقن هل في الامكان المضي في تنفيذ الخطة أم يجب ادخال تعديلات عليها يقبل بها الطرفان. وربما كانت المهمة الأصعب تكمن في السؤال عما إذا كان مجدياً أن تستمر الأممالمتحدة في التعاطي مع النزاع، إذا لم تحدث تطورات ايجابية، خصوصاً في ضوء المؤاخذات الدولية حول الكلفة المالية المرتفعة والعجز المادي الذي تعانيه المنظمة الدولية. رسالة الرباط في هذا السياق تفيد ان لا بديل من خطة الأممالمتحدة، وان المعطيات الاقليمية والدولية تدفع في هذا الاتجاه. لكن تشابك المصالح لا يساعد في وضع نزاع الصحراء ضمن الأولويات، والمغرب حين يعلن أنه ذاهب إلى الاستفتاء خلال فترة محددة، إنما يريد القول إن صبره قد نفد، وأن الحل المطلوب أصبح يفرض نفسه على الجميع.