يفترض في استفتاء الصحراء الغربية الذي ترعاه الأممالمتحدة ان يضمن تصوراً استراتيجياً للأمن الاقليمي في منطقة الشمال الافريقي، ليس لأنه يكرس الحل السلمي للنزاع القائم بين المغرب وبوليساريو فقط، ولكن لأن امتدادات ذلك النزاع تطاول العلاقات بين البلدان المغاربية برمتها، ما جعل علاقات هذه الدول عرضة للتأثر سلباً أو ايجاباً بمضاعفات النزاع. التطور البارز في سياق تعاطي الأممالمتحدة وملف الصحراء انه تم للمرة الأولى ابرام اتفاقات هيوستن ذات البعد الشامل لتكريس الحل. من خلال تفعيل آليات تنفيذ الاستفتاء. وقوبلت الاتفاقات اضافة الى التزام المغرب وبوليساريو بترحيب ودعم الجزائر وموريتانيا، ما أفسح في المجال أمام تسريع الحل. لكن المؤشرات الراهنة، من خلال رصد الظروف التي تجرى فيها عملية تحديد هوية الأشخاص المتحدرين من أصول صحراوية تبعث بعض القلق ازاء مستقبل الحل الذي ترعاه الأممالمتحدة. أقله ان استمرار هذه الخلافات يهدد بمعاودة تعليق العملية السلمية برمتها. ما يعني ان المخاطر المحدقة بخطة الاستفتاء يسري مفعولها على ضوابط الأمن والاستقرار في منطقة الشمال الافريقي. صحيح ان اتفاقات هيوستن المبرمة تحت رعاية الوسيط الدولي جيمس بيكر لم تكن بعيدة عن التصور الأميركي للأمن الاقليمي في المنطقة. وصحيح ان المنافسة بين الولاياتالمتحدة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي الأكثر نفوذاً في المنطقة المغاربية تشكل عنصراً مؤثراً. لكن الصحيح أيضاً ان مسؤولية دعم الحل السلمي تبقى من صميم مسؤوليات العواصم المغاربية، لأنها المعنية أولاً بترتيبات الأمن في حدودها الاقليمية. فالجزائر معنية لأن بوليساريو تقيم في أراضيها جنوب غرب البلاد منذ أكثر من عشرين عاماً. وفي حال الأسوأ يمكن توقع انفجاره في الأراضي الجزائرية التي تؤوي "جمهورية" ومخيمات يتوافر لها السلاح والمعدات وفكر ما قبل الحرب الباردة. وموريتانيا ليست بعيدة عن التأثر بأي انفلات أمني من خلال ايوائها جماعات بوليساريو في أراضيها الشمالية. والمغرب بدوره يتأثر بالاستنزاف الاقتصادي لملف الصحراء وبقاء الاسر الصحراوية موزعة بين المحافظات الواقعة تحت نفوذها وبين المخيمات، في حين ان تونس وليبيا معنيتان بترتيب علاقاتهما مع الجوار في حدود الانعكاسات السلبية لنزاع الصحراء... كل المعطيات تفيد بأن الحل السلمي مطلوب لمعاودة بناء علاقات الثقة بين الدول المغاربية. ومطلوب لتمكين هذه المجموعة من مواجهة تحديات العصر واقامة تكتل اقتصادي وبشري ينسج علاقات متكافئة مع محطيه الأقرب، أي بلدان الاتحاد الأوروبي. حل نزاع الصحراء سلمياً مطلوب راهناً لأنه من بقايا ومخلفات الحرب الباردة. ولأنه المدخل الطبيعي نحو الاندماج في المتغيرات الدولية الجديدة. فالوصفة الطبية الموجودة تحمل عنوان "اتفاقات هيوستن" والحكيم الأميركي الذي وضعها كان يستجيب لضغوط وتوازنات. والأفضل تجريب هذه الوصفة لأنها أفضل من انتظار المجهول