إقامة الطالب اثناء دراسته الجامعية إحدى المشكلات التي تواجه الاسرة على صعد متعددة. أولها، غلاء اجور الشقق بالنسبة لموازنة الأسر ذات الدخل المحدود والمحدود جداً، ثم صعوبة تأمين شروط دراسية جيدة في مكان السكن الذي تتيحه الامكانات المادية الضعيفة لأبناء المدن البعيدة والقرى التي لا توجد فيها او على مقربة منها جامعات تفي بالحاجة الدراسية. فيغزو ابناء هذه المناطق العواصم عموماً والمدن الكبيرة بهدف مباشر هو العلم، وبهدف ابعد هو السعي الى تحسين شروط العيش للطالب ولأسرته لاحقاً. وبهدف آخر داخلي، هو خلق مساحة حلم مفقودة من مفردات حياة هؤلاء البشر، قد تُعيدها او تساعد في وجودها سعادة نجاح الابناء. وربما تكون تجربة السكن الجامعي في المدينة الجامعية في دمشق رائدة في هذا المجال في سورية حيث تضم 17 وحدة سكنية للطلاب والطالبات وتستوعب 17000 طالب جامعي. وهي مبنية على مقربة من الجامعات القديمة، كلية الطب والآداب والفلسفة والتربية وعلم الاجتماع وغيرها والأجر السنوي 300 ليرة سورية فقط، أي حوالى 8 دولارات بالمقارنة مع السكن في ضواحي دمشق في بيوت يصل إيجارها الشهري الى 4000 ليرة سورية، تبدو المدينة الجامعية انقاذاً حقيقياً لمستقبل الابناء. وكما المدن الجامعية في انحاء العالم، للغرفة اطلالة على الضوء والخارج عبر نافذة كبيرة او شرفة. وفيها سرير وطاولة وكرسي للطالب. كما تضم المدينة بحسب تصميمها حدائق ومطعماً مركزياً وأكشاكاً لبيع الحاجات الصغيرة الضرورية. الا ان تزايد عدد الطلاب الجامعيين في سورية والراغبين منهم عن اضطرار اغلب الاحيان، للدراسة في العاصمة يجعل شروط السكن هذه، التي هي من حيث المبدأ مثالية، يجعلها غير مقبولة وغير صالحة للتعايش فما بالك بالدراسة. قد يصل عدد الطلاب في الغرفة بسبب الازدحام الى خمسة او ستة. وبالتالي لا يمكن مع تنوع الدراسات واختلاف اوقات الدوام خصوصاً في فروع تحتاج الى مساحات للعمل كالفنون الجميلة والعمارة، او لتركيز عالٍ كالطب، لا يمكن التعايش والانتاج، او حتى اعتبار الغرفة مجرد مركز نوم. مما يتطلب تفكيراً بحلول فاعلة، قوامها زيادة عدد الوحدات لانقاذ الوضع مرحلياً ومستقبلياً، بحيث تنشأ مجمعات سكنية توفر لكل اثنين من الطلاب غرفة وحدة. كي لا يتحول هذا التفصيل الجوهري الذي هو حجر الاساس في تجربة التعليم المجاني في سورية، الى مجرد حال رمزية لفكرة مثالية. ان تحسين شروط عيش الطلاب وتقليص الفوارق بينهم بقضاء يوم دراسي يليق بشاب او بشابة لهو امر مهم، يجعل شبابهم اقل اسى وفرص نجاحهم الدراسي قيد التحقيق وابتسامتهم على مرمى شفة. فالكومبيوتر والتلفزة ووسائل الاتصال، صارت جزءاً لا يتجزأ من تجربة التعلّم. كما السينما والمقاهي التي تُحقق لهم اوقات فراغ مثمرة وممتعة، يستطيعون فيها اختبار حياتهم الطالبية جزء لا يتجزأ من سياق حياتهم، كذلك الاشراف الدائم على كل انواع الخدمات وتجديدها... كل هذا يجعل الطالب اكثر استقراراً، ويجعله ابن هذا الوطن او ذاك، الذي يُعينه على فرصة حياة اجمل، وتصبح التجربة الجامعية بذلك اخراطاً محبباً في المجتمع، وتأهيلاً نفسياً صحياً لبداية حياة عملية لطبيب، او مهندس او فنان او موظف... الخ. ان احترام المجتمع لعيش الطالب، هو بداية احترام هذا الطالب لمجتمعه وشعوره بالمسؤولية تجاهه، فالمسؤولية النابعة من انتماء اعلى ومواطنية سعيدة، وهي طريق القوة المستقرة ربما! * شاعرة سورية.