يبدو ان باراك يكرر اليوم اللعبة نفسها التي سبق ان لعبها موشي دايان في مفاوضات الهدنة الأردنية - الاسرائيلية عام 1949 التي انتهت بالاتفاق بين العسكريين على خط الهدنة وعندما وقف موشي دايان وصافح رئيس الوفد الأردني وقال له: "لقد بذل كل منا جهده للاتفاق على خط الهدنة. وأود بهذه المناسبة وتقديراً لجهودك ان أقدم لك قرية كاملة هدية تقدمها لدولتك. وهذه القرية تقع على الجانب الاسرائيلي من خط الهدنة الذي اتفقنا عليه لكنني أقدمها لك". تريث رئيس الوفد الأردني في الرد على دايان وكان بين الحضور احد سكان القرية الذي وقف وذهب مسرعاً الى رئيس الوفد الاردني وقال له ان دايان محتال كبير، يريد ان يوهمك انه يقدم القرية كهدية للأردن والواقع انه يريد ان يعطيك القرية وتبقى كامل اراضيها معه لتصبح اراضي غائبين. واضاف: لا يا عم… لنبقَ تحت الحكم اليهودي نعيش من خير أراضينا خيراً من الإقامة لاجئين عندكم ونخسر اراضينا. قدّر العسكري الاردني خطورة ما يقوله دايان وقال له: "اذا كان التخلي هو عن القرية وكامل أراضيها للاردن فهذا مقبول. اما اذا بقيت اراضي القرية عندكم والقرية عندنا فهذه لعبة مكشوفة ومرفوضة". وجاء يهودي يجيد العربية مسرعاً الى دايان وقال له انه سمع فلاحاً من سكان القرية يتحدث الى رئيس الوفد الأردني المفاوض موضحاً ما ترمي اليه انت من تقديمك الهدية وأفسد عليك ما كنت تصبو اليه… واستاء دايان وقال للعسكري عليك تصفية هذا الفلاح حال الانتهاء من الجلسة وبعد عودة الوفد الأردني. وسمع عربي آخر يجيد العبرية ما دار بين دايان والعسكري اليهودي وذهب لرئيس الوفد الاردني وقال له: لقد صدرت تعليمات ايان بتصفية الفلاح الذي تحدث اليك عن نوايا دايان حال مغادرتك انت والوفد مكان الاجتماع. وطلب رئيس الوفد الأردني من ناقل الرسالة الجديدة ان يقوم بمنتهى السرية والذكاء بوضع الفلاح في صندوق سيارته العسكرية ليذهب معهم الى عمان انقاذاً لحياته. وتم ذلك... وبقيت الارض في أيدي اصحابها... وبقي اصحابها وقريتهم واراضيهم تحت الحكم الاسرائيلي ما عدا واحد هو الذي كان سيقتل لو بقي في قريته. وخوفاً من ان يخطف الى اسرائيل اختار الذهاب الى دولة الكويت طلباً للرزق... وهكذا أنقذ الفلاح اراضي القرية ورحل بعيداً عنها ولا يُعرف اين هو الآن. والتاريخ يعيد نفسه... هذا هو باراك يريد تحقيق نفس الهدف لكن بشكل آخر وبصورة تختلف كثيراً عن الاولى. يحاول باراك الآن تكرار نفس اللعبة لكن على مستوى اكبر فهو يريد فصل القرى عن اراضيها وضم الأراضي الى اسرائيل. والقضية ليست إبعاد قرى عن بعضها او صعوبة الاتصال بين هذه القرية وتلك بل الهدف اكبر بكثير من ذلك فهم يريدونها قرى عربية متفرقة لا تحظى الا بالقليل جداً من اراضيها وهذا هو مبعث الخطر وهي لعبة قديمة لا بد ان ينتبه اليها المفاوض الفلسطيني ويرفضها مهما كانت هذه المحاولات الاسرائيلية التي بدأت منذ سنوات طويلة. ومن ينظر الى الخريطة الاسرائيلية وما يسمى تنازلات اسرائيل اليوم يعرف ان فيها محاولة حرمان من التمتّع بأراضيهم لتصبح ارضاً بلا شعب لشعب بلا ارض، وهذا ما تقوله اسرائيل في مخاطبتها للعالم الاوروبي والاميركي. وكان الله في عون المفاوض الفلسطيني وفي عوننا جميعاً. * سفير الأردن السابق لدى الاممالمتحدة.