يحتفل الآشوريون في العالم في الأول من نيسان ابريل من كل عام بعيدهم القومي رأس السنة الآشورية بحسب التقويم الذي كان يعمل به في بلاد ما بين النهرين وكل المشرق قبل تبني العالم التقويم الميلادي. يعتبر الأول من نيسان بالنسبة للآشوريين من أسمى أعيادهم القومية لما يحمله من مدلولات لها صلة بتاريخهم وحضارتهم، فهم يحتفلون بهذا اليوم الى المناسبات الخاصة مثل باعوثا دنينوايي أو صوم أهل نينوى ويوم الشهيد الآشوري ورأس السنة وغيرها. اختار الآشوريون الأول من نيسان ليكون بداية لسنتهم التي حسبوها بكل دقة بتفاصيلها وتقسيماتها، ولا تزال تستعمل في يومنا، نسبة لما يحمله شهر نيسان من معاني. فهو يعتبر شهر العطاء والخيرات وتجدد الحياة على سطح الأرض، الى جانب ما كانت تحويه أساطيرهم التاريخية قصة الخليقة وقصة عشتار وتموز من معاني لبدء الحياة على الأرض. عرفت رأس السنة باسم اكيتو نسبة الى المعبد الآشوري الرئيسي "اكيتو" الذي كان تقام حوله معظم الفاعليات ومراسيم الاحتفالات التي تستمر 12 يوماً بمشاركة الشعب والطبقة الحاكمة. فالملك شخصياً كان له دور خاص يقوم بأدائه خلال تمثيل أجزاء من ملحمة الخليقة، تلك الملحمة التي شغلت حيزاً كبيراً في الفكر النهريني واعتبرت لاحقاً أساساً لا ينضب لبناء وتطور فكرة الوجود وانطلاق الإنسان بحثاً عن الخلود ملحمة جلجامش. كانت تنظم الاحتفالات في شكل جعلتها من أضخم وأبهى الاحتفالات التي كانت تقام في تلك الحقب التاريخية. وتذكر سجلات الملوك تفاصيلها وما وصلته من دقة في تنظيم الوقت وجدولة الفاعليات وإدارتها الى جانب وجود مئات الضيوف الذين يحضرون الاحتفالات وما يحتاجونه من رعاية وأمن وحماية. غداً الاحتفال برأس السنة عيداً عالمياً في فترات أوج ازدهار الامبراطورية الآشورية حين اقتبست الشعوب الأخرى الكثير من الحضارة الآشورية التي اجتازت القارات بمختلف السبل، فكان أن استعمل التقويم الآشوري في العالم القديم الى حين تم استبداله، بالتقويم الميلادي الحالي.... أصبح الأول من نيسان العيد القومي للآشوريين وما تشهده مناطق وجود الآشوريين في العالم وخصوصاً في شمال العراق من نشاطات وفاعليات تستمر 12 يوماً يشير الى مدى ارتباطه بالوجود والتواصل الآشوري في بلاد الرافدين. يفتتح المهرجان في يومه الأول بمسيرة جماهيرية أصبحت تمثل رغبة في إثبات وجودهم. ويشكل الأول من نيسان الرمز الأول لديهم، وتستمر الاحتفالات التي تتخللها ندوات ومحاضرات سياسية ونشاطات اجتماعية مختلفة ودورات رياضية ومسرحيات وأعمال فنية الى جانب البرامج التي تعد خصيصاً لهذا الاحتفال في محطتي اذاعة وتلفزيون آشور في ارييل ودهوك الى 12 نيسان الذي يصادف ذكرى تأسيس الحركة الديموقراطية الآشورية في 12/4/1979. ربما لن نجانب الحقيقة في القول بأن ما تشهده الساحة الآشورية في شمال العراق من تطور وتقدم في المسيرة السياسية وما يتبعها من تطور على المسارات الثقافية والإدارية والاجتماعية، هو في الحقيقة يمثل نموذجاً ايجابياً يدعو الى التفاؤل بمستقبل زاهر ستشهده الأجيال التي تتربى في أجواء الديموقراطية الفنية في المنطقة، وبدورها ستكون البذور الصالحة التي ستكفل حفلاً خصباً مفعماً بأرقى الأفكار الإنسانية في عالم يسوده السلام الدائم والتسامح المتبادل. تواصل الأول من نيسان للحقب التاريخية الطويلة التي وصلت الى 6750 سنة من التاريخ المتكوب وسيستمر الى أجيال أخرى مقبلة. فوجوده مع وجود الأرض وما ارتباط نيسان بولادة الحياة على الأرض الا دعوة للإنسان الى ترك الجفاف والجمود والانطلاق نحو التجدد والعطاء التي هي من سمات نيسان والإنسان.