اللافت في محاولة الحكومة الأردنية السيطرة على مجالس طلاب الجامعات من خلال "تعيين" نصف اعضائها - بمن فيهم رؤساء هذه المجالس - والاكتفاء بانتخاب النصف الآخر، هو هذا الاسلوب الحكومي المباشر والصريح في الانقلاب على الديموقراطية! فمنذ انطلاق مسيرة التحول الديموقراطي في 1989، استخدمت حكومات اردنية سابقة وسائل خفية وغير مباشرة للتدخل والتأثير في الانتخابات النيابية والطالبية والنقابية والبلدية، من دون ان تتخلى عن حرصها على "الظهور" بمظهر الحياد امام الرأي العام الاردني اولاً، والعالمي ثانياً. أما اليوم، فيبدو ان الحكومة لم تعد مهتمة كثيراً حتى بالتظاهر بأنها تلتزم اصول العملية الديموقراطية، وهو ما يخشى ان يكون مؤشراً الى انتكاسة جديدة على صعيد الحريات العامة في البلاد. صحيح ان الفرصة ما زالت قائمة لتراجع حكومة عبدالرؤوف الروابدة عن خطوتها هذه في ضوء استمرار الاحتجاجات والتظاهرات في الجامعة الاردنية، ولكن محاولة الحكومة الانقضاض على الانجازات الديموقراطية المكتسبة خلال العقد الماضي بهذه الطريقة الصريحة، لا تبشر بالخير بالنسبة الى مستقبل الاصلاح الديموقراطي في المملكة الرابعة. ولعله تحصيل حاصل القول ان الخطوة الحكومية خيبت آمال كل من كان يتطلع الى المزيد من الانفتاح والاصلاح الديموقراطي في العهد الجديد. ومما يدعو الى القلق ان ما يواجهه طلاب الجامعات الاردنية اليوم، لا يحدث بمعزل عن السياق العام للأداء الحكومي. فرغم مرور نحو سنة على دعوة الملك عبدالله الثاني الى تعديل قانون الانتخاب النيابي، لم تقدم الحكومة الى مجلس النواب مشروع قانون بديل لتعزيز المسيرة الديموقراطية. كما انها - وعلى لسان رئيس مجلس النواب عبدالهادي المجالي - مسؤولة بالدرجة الاولى عن احباط مشروع المنطقة الاعلامية الحرة الذي دعا اليه الملك من اجل إطلاق الحريات الاعلامية. صحيح ان النظام السياسي الاردني يتميز عن كثير من الانظمة العربية بأنه يتيح للحكومة المعينة هامشاً كبيراً للمناورة في سياق تنفيذ السياسات التي يعهد اليها تنفيذها، وصحيح ان القصر لا يتدخل إلا عندما تستفحل الأمور وعندما يشعر بأن الحكومة خرجت، في شكل لا يمكن السكوت عليه، عن الاطار العام الذي كلفت الالتزام به. وربما لهذا السبب، شهد الاردن خلال العقد الماضي، تقلب عشر حكومات على الحكم، ولهذا السبب ايضاً، ما زال هناك تفاؤل في الاوساط السياسية والشعبية الاردنية بحتمية تصحيح المسيرة التي يبدو أنها خرجت عن إطارها المرسوم في الفترة الاخيرة. ولعل هذا هو السبب الاساسي في خروج عدد لا يستهان به من رجال الدولة وابناء النظام عن صمتهم للمطالبة بتصحيح المسيرة، التي يبدو انها انحرفت سواء على صعيد الوحدة الوطنية او الحريات الديموقراطية.