سجلت في هذه الزاوية في 29 من الشهر الماضي أنني جالس في مكتبي وقد ارتديت حلة قشيبة من الزينة بانتظار أن تطلب النساء يدي، فهناك تقليد بريطاني يتيح للمرأة في هذا اليوم فقط من سنة كبيس أن تطلب يد الرجل. وفي حين سخر "المحبون" مني، وقالوا انه لا توجد امرأة في العالم ستطلب يدي أو رجلي، فقد كان هناك اتصالان، الأول من امرأة فر زوجها الى المكسيك وترك لها ستة أولاد صغار، والثاني من رجل عرض ان يطلق زوجته إكراماً لي، وهي طريقة للخلاص منها أهون من أن يقتلها أو تقتله. رفضت العرضين بأدب فقد كان واضحاً ان المرأة في الحالين تعاني مثلي من انتهاء مدة الصلاحية، وقنعت من الغنيمة بفاكس من الصديق يوسف الشراوي، الوزير البحريني السابق. كنت قلت انه لتصبح السنة كبيساً في السنوات التي تنتهي بصفرين يجب أن تقسم قسمة صحيحة على 400 وليس على أربعة فقط. وهو زاد ان جماعة غريغوري الخامس وجدوا بعد حذف ثلاثة أيام كبيس في 300 سنة من كل 400 سنة انه يبقى عندهم كسر صغير لا يلبث ان يتجمع حتى يصبح يوماً كاملاً بعد 4000 سنة. وارجو اذا تذكر القارئ هذه المعلومة بعد أربعة آلاف سنة ان يتذكر معها ان حركة الأرض تبطئ باستمرار، وأنه بعد 200 مليون سنة سيصبح النهار 25 ساعة، ونحتاج الى تقويم آخر. وباختصار فالقارئ بعد هذه المعلومات انضم الى الأستاذ يوسف واليّ في جمع "جهالة لا تفيد وعلم لا ينفع". أفضل مني حظاً في 29 شباط فبراير كان فيل كولن، فقد ارسلت اليه النائبة العمالية كارولين فلين رسالة بالفاكس تقول "حسب التقاليد في السنة الكبيس ألفين هذه، هل تتزوجني". وهو رد بنعم سريعة، فهو يعمل مساعداً برلمانياً لها، ولكن لا أتصور ان القبول كان خشيته على وظيفته فقد بدت النائبة شابة حسناء. لو كان عندي حظ اللي مالو حظ لا يتعب ولا يشقى لكانت اتصلت بي احدى نوائب الدهر من أحد برلمانات العرب وطلبت يدي. وصحيح أن مرتب نائبة بريطانية أعلى من مرتب نائبة، أو مصيبة، عربية، إلا أن عضو البرلمان العربي يقبض عشرة في المئة عمولة واكراميات مع بقشيش محترم، ما يكفي لقبر الفقر. أترك الفقر في قبره، وأكمل بتاريخ آخر هو 14 شباط، فهو عيد القديس فالنتاين أو عيد المحبين. وكنت تلقيت في ذلك اليوم كتاباً بعنوان "يوم فالنتاين: نساء ضد الرجال"، وهو مجموعة قصص قصيرة كتبتها نساء. وتدور حول الثأر من الرجال. وقدمت أليس توماس ايليس للكتاب بمقدمة تاريخية، فذكرت اليونانية كلايتمنسترا التي قتلت زوجها اغاممنون في الحمام بعد أن ضحى بابنتهما لتملأ الريح أشرعة سفنه المتوجهة لقتال طروادة. ولم يكتف بذلك بل عاد بعشيقة هي كاساندرا. ولم يشفع له أن كلايتمنسترا كان لها عشيق في غيابه. ايليس مضت بقصص الانتقام حتى اليوم، ولكن فاتها موضوع كريستين دوفييه - جونكور، عشيقة رولان دوما التي فضحته في كتاب "عاهرة الجمهورية" بعد أن تخلى عنها، فكان ان استقال من رئاسة المجلس الدستوري ليواجه المحكمة. تابعت قضية دوما وأنا انتهي من قراءة كتاب "نساء ضد الرجال"، فرأيت ان أعود الى الموضوع. القديس فالنتاين ليس من قديسي الصف الأول أو الثاني في الكنيسة الكاثوليكية، فكل المعروف عنه بالتأكيد هو أنه كان المطران الثالث لبلدة تيرني، الى الشمال من روما، وقد جلده الرومان وقطعوا رأسه سنة 273 ميلادية. وهو مدفون الآن في كنيسة للآباء الكرمليين بمحاذاة ساحة في البلدة تحمل اسمه. كيف أصبح قديس مغمور أشهر من تلاميذ السيد المسيح أنفسهم؟ لا أحد يعرف الجواب، فليس في تاريخ فالنتاين عمل خاص يربطه بالمحبين وعيدهم، وهناك أساطير الا ان الثابت الوحيد هو أنه قبل أن يزوج مسيحيين أو مسيحيات الى غير مؤمنين معتقداً أن الحب ينتصر على كل الصعوبات. المؤرخون يسجلون بعد ذلك أساطير من نوع أنه كان يهدي العشاق ورداً أحمر. غير أنني أجد شرحاً أسهل في اسمه، فهو بالايطالية فالنتينو، وساحة البلدة بهذا الاسم الذي يرتبط في ذهن أمثالي بالعاشق المشهور، لا بقديس مغمور من القرن الميلادي الثالث. مع ذلك تتلقى كنيسة البلدة 50 ألف رسالة في السنة من عشاق حول العالم يريدون من القديس مساعدتهم. وقال كاهن الرعية ان أكبر مشكلة يواجهها هي ان رسائل اليابانيين تأتي بالبريد المسجل، فيضطر الى توقيع حوالى عشرة آلاف إشعار وصول كل سنة. أهل الحب صحيح مساكين، ويبدو أن اليابانيين أكثرهم "مسكنة" لأنهم يريدون حباً مع إشعار بالوصول، وواضح أنهم لم يسمعوا أم كلثوم تغني: ياما الحب نده على قلبي... ماردّش قلبي جواب. ياما عيون شغلوني... وأتوقف هنا فالصبّ تفضحه عيونه وتنم عن وجد شجونه.