"ضربني وبكى... سبقني واشتكى" هذه هي حال اسرائيل مع العرب منذ بداية الصراع، وتجسد في أيامنا هذه بعد العدوان الغاشم على لبنان وضرب محطات الكهرباء والتهديد باحراق تراب لبنان وتدمير البنى التحتية واستمرار قصف القرى والمدن الآمنة وتهديد حياة المدنيين كل يوم والوصول الى منتهى الوحشية والعنصرية والنازية عندما هدد ديفيد ليفي باحراق أطفال لبنان. وهذا ما تمارسه اسرائيل من دجل وتضليل وكذب على العالم منذ أكثر من نصف قرن، تضرب وتقصف وتقتل وتشرد وتحتل وترتكب المذبحة تلو المذبحة وتريد منا أن نسكت ونمتنع حتى عن الصراخ من الألم... وأكثر من ذلك فإنها تريد ان نرشها بالأرز والزهور والرياحين ونستقبل غاراتها الوحشية بالزغاريد ثم "نهرول" لنطبع معها ونطبع القبلات على خدها ونشكرها لأنها تكرمت واعتدت على أهالينا وتفضلت علينا بالمزيد من الخراب والدمار والقصف الجوي والبري والبحري؟! يا لها من مهزلة... بل يا لها من شريعة غاب تطبق على العرب فقط في عصر العولمة ومزاعم الدفاع عن حقوق الانسان و... الحيوان أيضاً. فقد قامت قيامة الاسرائيليين، ومن لف لفهم، عندما سمعوا ردة فعل الشارع العربي من المحيط الى الخليج ونادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور لأن العرب تعاطفوا مع لبنان هذا البلد الجميل الصغير الذي يتعرض كل يوم لشتى أنواع القهر والظلم الصهيوني، وأرادوا سلبه حقه في الدفاع عن ترابه الوطني ومقاومة الاحتلال الغاشم لأراضيه في الجنوب والبقاع الغربي منذ عشرين سنة. وبلغ الغضب أشده عندما زار لبنان رئيس اكبر دولة عربية ذات سيادة واستقلال كما يعرف القاصي والداني، ولم تخضع يوماً لوصاية أحد أو ترضخ لضغوط بني صهيون. مارس الرئيس حسني مبارك حقه الشرعي عندما زار لبنان معلناً تضامنه باسم مصر وشعبها معه ومع شعبه ومستنكراً الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة وآخرها الاعتداء الوقح على منشآته الكهربائية في رسالة اراد إيصالها الى اسرائيل بأن العرب، الذين يقيمون علاقات معها، والذين لا يقيمون، لن يسكتوا على تكرار مثل هذه الاعتداءات، كما أتت جولة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي الأخيرة لتؤكد ان العرب لن ينحازوا الا الى الحق العربي مؤكدين دعمهم الكامل لسورية ولبنان في وجه التعنت الاسرائيلي ووقوفهم ضد الباطل في بادرة للم الشمل والرد على التحدي الصهيوني. وبلغت الوقاحة مداها عندما استنكر الاسرائيليون الزيارات واستكثروا على زعيم عربي مواساته لضحية وحشيتهم وأطلقوا شتى الأوصاف والنعوت عليها. فالخبيث الغامض، الذي أصبح مكشوفاً، ايهود باراك قال رداً على الزيارة: "ان حملة التحريض !! انتبهوا الى هذا الوصف؟؟ المعادية لنا في العالم العربي لا تساعد عملية السلام". اما وزير خارجيته ديفيد ليفي الذي يسكت دهراً وينطق كفراً فقد قال: "ان الرئيس المصري قدم خلال زيارته للبنان دعماً لحزب الله ما يشكل - على حد زعمه - مظهراً جديداً يدل على موجة الكراهية لاسرائيل التي تجتاح العالم العربي"! يا لهذا المنطق الأعوج؟ حقاً انه "إن لم تستح فافعل، أو قل ما تشاء". العرب هم الذين يحرضون، وهم الذين يقومون بحملة معادية لا تساعد عملية السلام... وهم الذين يشنون موجة الكراهية لاسرائيل؟! هذا هو منطق اسرائيل... وبالأحرى منطق الاستغباء والضحك على الذقون... أو منطق الدجل وقلب الحقائق وتضليل الرأي العام الاسرائيلي... والعالمي مع ان كل إنسان يعرف ان من يزرع الريح يحصد العاصفة... ومن يزرع الكراهية لا يحصد الا الحقد ومن يزرع العنف لا يحصد الا عنفاً مضاداً ومن يفتح الجروح ويسيل الدماء لا يجر على نفسه الا أنهار الدم. كنت أتمنى ان يقف مسؤول عربي في وجه العربدة الاسرائيلية ويرد على باراك وليفي ويقول لهم: قفوا أمام المرآة في لحظة صدق واحدة في حياتهم واطرحوا على أنفسكم سؤالاً بديهياً واحداً وهو: لماذا ومن هو المسؤول عما جرى ويجري؟ ليعرفوا الحقيقة الناصعة، والأكيد انهم يعرفونها ولكنهم لا يريدون الاعتراف بها ويقومون بحجبها عن الناس ويكذبون ثم يكذبون ليصدقوا أكاذيبهم أو يوحون للناس انهم صدقوها. وإذا تجاهل باراك وليفي وأركان الحكومة الاسرائيلية وجنرالاتها هذا السؤال واستمروا في غيهم ليطرح هذا السؤال على كل اسرائيلي... ثم على العالم اجمع من هو الجلاد... ومن هي الضحية؟ من هو الظالم ومن هو المظلوم... ومن هو المعتدي... ومن هو المعتدى عليه منذ بداية الصراع حتى يومنا هذا... ومن هو الساعي الى السلام العادل والشامل والمقتنع به... ومن هو المعادي له والمعرقل لخطواته والساعي الى ذبحه وتفريغه من محتواه ومضمونه الحقيقي، ومن هو الذي يشن حملة كراهية وحقد... ومن هو الذي يضرب اي تطبيع في العلاقات ونسيان للمآسي بخنجر القدر المسموم، ولكن أكثرهم يتجاهلون الحقيقة وعلى رأسهم رئيس وزراء فرنسا جوسبان الذي انتصر للجاني وحاكم الضحية فكان نصيبه الحجارة والعار. هل يريدون ان يهلل لبنان والعرب للاحتلال الاسرائيلي، ويشيدون بمكرماته؟.. هل يطالبون اللبنانيين، ومعهم العرب كل العرب، بأن يقابلوا كل اعتداء بالأهازيج والزغاريد؟ هل يرقص اللبناني الدبكة في كل مرة تضرب فيها مناطقه المدنية ويقتل فيه اخوان له وأبناء وآباء؟ هل يرسل برقيات التأييد ويقيم الاحتفالات والليالي الملاح في كل مرة تقصف فيها اسرائيل بناه التحتية التي بناها بدم قلبه وعرق جبينه او ان تدمر منشآته الحيوية وتقطع عنه الكهرباء ليعيش في ظلام دامس وتنقطع عنه سبل عيشه وموارد رزقه ويتعرض اطفاله ومرضاه للخطر؟ هل يوجهون رقاع الدعوة للخواجة ليفي لمنحه وسام الاستحقاق الرفيع لتهديده بحرق لبنان على طريقة النازية. يا لهذا المنطق الأعوج... مرة اخرى... وبعدها يتحدثون عن حملة تحريض... وحملة كراهية وما شابه! العرب يريدون السلام حقاً... وقد أثبتوا ذلك "وبصموا بالعشرة" منذ قبولهم مبادرة السلام الأميركية ومشاركتهم في مؤتمر مدريد... بل انهم سبقوا هذه المبادرة بأشواط عندما تبنوا في قمة "فاس 2" مشروع السلام العربي الموحد الذي يعرف باسم مشروع الملك فهد. واستمروا في هذا النهج على رغم العربدة الاسرائيلية وسياسة المناورة والمماطلة وتقاذف الكرة بين العمل وليكود لكسب الوقت وذبح السلام من الوريد الى الوريد. والعرب تحاملوا على أنفسهم وعضوا على جراحهم وأبدوا رغبة أكيدة بتحمل تبعات السلام من علاقات ثنائية وتطبيع وما شابه ولكن بأي ثمن؟ وماذا كان الرد الاسرائيلي: الاستخفاف والتعنت ومحاولات الإذلال ورفض المبادئ الأولية للسلام المنشود مثل مبدأ الأرض مقابل السلام، وقرارات الشرعية الدولية والانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وفي مقدمها القدس والاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير وفي اقامة دولتهم المستقلة. منذ بداية الصراع العربي - الاسرائيلي والعرب هم المعتدى عليهم، والصهاينة هم الذين يبادرون بالعدوان والغدر والطعن في الوجه والظهر على حد سواء. وهم الذين جلبوا معهم بذور العنف والإرهاب عبر منظمات الأرغون وشتيرن والهاغاناه وغيرها. أرض عربية خالصة احتلوها وشردوا أهاليها، ملايين اللاجئين يعيشون في مخيمات البؤس منذ أكثر من نصف قرن وبعدها يتحدثون عن حملة كراهية! مذابح مذابح... كفر قاسم ودير ياسين والطنطورة وقبية وعشرات ذهب ضحيتها المئات من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ. ثم حروب وحروب وحروب، 1948، 1956، 1967 كلها كانت اسرائيل هي البادئة، والبادي أظلم وتخللتها مذابح فظيعة من بينها ما كشف عنه اخيراً في اسرائيل عن المجزرة بحق الجنود المصريين الذين دفنوا أحياء او سحقوا بجنازير الدبابات الصهيونية أو تركوا يموتون جوعاً وعطشاً في الصحراء... وبعدها يتحدثون عن حملة كراهية! وبعد مؤتمر مدريد للسلام... ظن العرب انه سيحمل معه الترياق، فنسي منهم من نسي هذا الماضي البغيض. وتناسى الجراح من تناسى وسكت من سكت على مضض... حتى الذين عارضوا واعترضوا لم يقدموا على أي عمل يعرقل المسيرة بل اكتفوا بتسجيل موقفهم فيما استبق البعض النهايات والنتائج ليبدأ التعويض أو ليهرول قبل ان يكتشف الحقيقة المرة ويكبح الجماح. ولكن بماذا رد الاسرائيليون على صدق النوايا العربية؟ وماذا قدموا مقابل قبول العرب، ولو على مضض، بالاعتراف باسرائيل والتغاضي عن احتلالها لأراضي فلسطين عام 1948 وعن سجل المذابح الحافل؟ لا شيء سوى المماطلة والمناورة والتعنت والخداع والامعان في محاولة إذلال العرب وإجبارهم على تقديم المزيد من التنازلات. اسحق شامير اعترف بنفسه انه ذهب الى مدريد لذر الرماد في العيون وكسب الوقت والمماطلة لأكثر من عشر سنوات... واسحق رابين الذي اشتهر بسياسة تكسير عظام الاطفال... اغتيل على يد متطرف صهيوني لأنه كان سيمضي قدماً في مسيرة السلام... وشيمون بيريز صاحب نظرية "الشرق الأوسط الجديد" سقط في الانتخابات العامة لأنه سار على درب سلفه... وجاء بنيامين نتانياهو على رأس حكومة ليكود متطرفة تنصلت من كل الاتفاقات وارتكبت الاعتداءات وهددت المسجد الأقصى بعد فتح النفق ثم سقطت في حبائل شرورها ليأتي باراك على رأس حكومة حزب العمل والأحزاب المتحالفة معها مرتدياً قناع البراءة وحاملاً غصن سلام يخفي وراءه خنجراً مسموماً ومعه لاءات كثيرة: لا للقدس، ولا لعودة اللاجئين، ولا للدولة المستقلة، ولا للمياه.. ولا لتسليم الأراضي العربية المحتلة عام 1967 كاملة من الضفة الغربية الى الجولان. نيات شريرة، واتفاقات تنقض قبل ان يجف حبر التواقيع عليها وإذلال متعمد للقيادة الفلسطينية ومماطلة وورفض غير مبرر لأبسط مبادئ السلام... وبعد هذا يتحدثون عن حملة كراهية!! أما عن الجرائم والمذابح فحدّث عنها ولا حرج... حتى مع الأردن الذي وقع اتفاقية سلام، معتقداً انه سيحقق فيها المكاسب فإذا بالمياه تقطع عنه... واسرائيل لا تحترم سيادته وترسل اليه المجرمين والموساد لارتكاب عمليات اغتيال من بينها محاولة اغتيال السيد خالد مشعل مدير مكتب "حماس" في عمان. بل حتى مع مصر لم تفهم اسرائيل من التطبيع سوى التجسس فضيحة عزام وغيره من الجواسيس ونشر الموبقات والإيدز وصرعات عبدة الشيطان!! والتطاول على مصر بين الآونة والاخرى وتلفيق تهمة باطلة لسفيرها... وبعدها يتحدثون عن حملة كراهية؟ ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بمجزرة الحرم الابراهيمي الشريف حيث اقدم مستعمر اسرائيلي متعصب على قتل عشرات المصلين بدم بارد... فيقام له ضريح ويتحول الى بطل... وتقوم مستعمرة أخرى بتوزيع رسومات ومناشير تنتهك حرمة المقدسات وتتطاول على مقام الرسول صلى الله عليه وسلم... وتنجو من العقاب بعد مسرحية اعتقال ومحاكمة صورية... وبعدها يتحدثون عن حملة كراهية. والمسجد الأقصى يتعرض للانتهاك والتدنيس كل يوم ومعه عشرات المقدسات المسيحية والاسلامية، وترتكب المذابح ويقتل الأبرباء ويعتقل العشرات من دون محاكمة وتمارس بحقهم شتى أنواع التعذيب وبعدها يتحدثون عن حملة كراهية عربية ضد اسرائيل؟ ولبنان... لا ننسى لبنان حيث كل يوم عدوان... وكل يوم قصف... ودموع ودماء بريئة تسفك... مع التذكير بشهداء قانا وصولاً الى ما جرى أخيراً من قصف وتدمير للبنى التحتية وبعد كل هذا يستغرب باراك وليفي وغيرهما مثل هذه الغضبة العربية والانتفاضة للكرامة المهدورة. فليرجع باراك وليفي وغيرهما الى ضميرهم، ان كان عندهم ضمير، ويسألوا أنفسهم عن الأسباب والمسببات... ويبحثوا عن الجاني الحقيقي والمعرقل الوحيد لمسيرة السلام... ولوضع حد لآثار نصف قرن وأكثر من الصراع. ولا بد ان هؤلاء سيعرفون الآن او غداً، ان العربي لن يقبل بعد اليوم مثل هذا الهوان، وانه لن يضيء لهم الشموع اذا قصفوا منشآته الكهربائية بل لا بد ان يأتي يوم ينهض فيه وينتفض لكرامته. فالعرب يريدون السلام لا الاستسلام... وسلام الشجعان لا سلام الخانعين الأذلاء... وصبرهم على الضيم له حدود... فاحذروا غضبة الحليم... واغتنموا الفرصة الأخيرة قبل فوات الأوان. * كاتب وصحافي عربي.