حصد "مؤتمر التجاره والتنمية" الاونكتاد النجاح تلو النجاح في مؤتمر هذه المنظمة الذي عقد في بانكوك بين 12 و19 الشهر الماضي. وبهذا النجاح دعم موقع "الاونكتاد" بين المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بعد سنوات طويلة في "المنفى". وتنفست الدول النامية الصعداء، بعد طول ركض وهرولة نحو العولمة المتسارعة في كل الاتجاهات وفي مختلف المجالات ما أثار يأس الدول النامية. وتوصل تطارح الافكار بين رؤساء وزعماء الدول الذين اجتمعوا في بانكوك الى ان سرعة التحرير الاقتصادي والتجاري ليس بالضرورة الطريقه الافضل لكل الدول. فالدول النامية بحاجة الى اعادة ترتيب البيت وذلك من الاقتصاد الى التشريعات، ومما ساعد على التوصل الى هذا الاستنتاج النقاش المدروس وللمرة الاولى عن الأسباب الكامنه وراء الازمات المالية العالمية وامكان عودتها. وساهمت الطاولات المستديرة في فهم الاسباب العميقة لأزمة العولمة خصوصاً الازمه الآسيويه التي بدأت في تايلاند وأسهب رئيس وزراء تايلاند شوان في شرح اسبابها التي بدأت بانخفاض احتياطات الدولة ومن ثم استخدامه ما ادى الى ضغط على العملة التايلندية، ثم انخفاض الصادرات ما حدا بالحكومة الى تغيير أسعار الصرف للعملة الخارجية، ثم خسارة رأس المال الخارجي حين سحب المستثمرون أموالهم الى خارج البلد. ثم تفشي البطالة وآثارها الاجتماعية الكبيرة. هذا المثال، وهو واحد على الشفافية التي اتسم بها النقاش الذي دار في مؤتمر بانكوك. هذا الوضوح في دعم هذه المنظمة التي تأسست في بداية الستينات للدفاع عن مصالح الدول النامية. كانت هذه المنظمة محل هجوم الدول الغربية وخصوصاً الولاياتالمتحدة التي حددت دور الاونكتاد بدور المدرب التقني وليست مكاناً للتفاوض بين الدول. ولكن بعد فشل "جولة الاورغواي" وفشل منظمة مؤتمر التجارة العالمية في سياتل، بدأت "الاونكتاد" باستعادة مكانتها التي كانت في سنوات الحرب الباردة حيث كانت حلبة للتفاوض بين دول مجموعة ال77 والدول الكبرى، ومع ان "الاونكتاد" لا تصدر عنه قرارات يعترف بها على الساحة الدولية ولكن تأكدت اهميتها بأنها حلقه الوصل بين الشمال والجنوب، وبين الدائن والمدين، بين منظمة التجارة العالمية والبلدان النامية. حين اطلق الامين العام للامم المتحده كوفي انان شعاره، الذي حاز على عناوين الصحف وقال: يجب اضفاء الوجه الانساني على العولمة. لم يربط هذا الشعار بمنظمة الاونكتاد التي هي وجهاً انسانياً للعولمة فإن هذا الوجه الانساني هو منظمة "الاونكتاد" وهو الوجه الافضل للامم المتحده. أقنع "الاونكتاد" الدول الغنية بأن مساعدة الدول الفقيرة هو من صالح الدول الغنية مع ان طريق الاقناع يثير سخط الدول الفقيرة الا ان هذا هو الواقع والواقع يقول: انقاذ الاغنياء من خطر فقر الفقراء. وأثبتت الاونكتاد انها أداة الاممالمتحده الاساسية لاستكشاف الترابط بين التجارة والاستثمار والتنمية وبالتالي ترشيد عملية الإصلاح والتنمية الاقتصادية في البلدان النامية والمساهمة في الحوار حول اصلاح البنية المالية والتجارية الدوليه. فالمؤتمر أجرى مراجعة شاملة ومتوازنة لتأثير العولمة المتفاوت، ومحاولة تضييق الفجوات الاقتصادية بين مجموعات الدول. وتم ذلك بواسطة المداولات الرسمية بين الدول الاعضاء بالاضافة الى ندوات مفتوحة يديرها مسؤولون دوليون في مقدمهم جيمس ولفنسون رئيس البنك الدولي، مايك مور مدير عام منظمة التجارة العالمية، خوان سومافيا مدير عام منظمة العمل الدوليه، وميشيل كم دي سو مديرعام صندوق النقد الدولي. وشهد المؤتمر حضور رؤساء الدول ومن ابرزهم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الى مشاركة رؤساء دول النمور الاسيوية ورئيس وزراء اليابان. ونجح المؤتمر في التقليل من حجم التوقعات من العولمة في عدة مجالات مثل النمو السريع والميزان التجاري وخلق فرص عمل وتخفيف حدة الفقر، اذ ثبت ان هذا التفاؤل لم يكن الا أضغاث أحلام كما ان الهرولة نحو الاندماج في التجارة العالمية لم يكن في صالح التنمية الاقتصادية للدول التي تجاهلت التنسيق بين التنمية والاقتصاد الاجتماعي، وخضعت لضغوط اغراء تحرير التجارة وجذب الاستثمار الاجنبي المباشر. وتأتي الأهداف السامية لاهتمامات منظمة "الاونكتاد" والطموح الكبير الذي برز لديها من طموح الامين العام لهذة المنظمة الصغيرة الحجم روبنز ريكوبيرو الذي لا يترك فرصة إلا ويلفت النظر الى ان منظمة التجارة العالمية لا توجد لديها القدرة على حل المشاكل بمفردها. وعلى رغم معرفة ريكوبيرو بأن منظمة التجارة العالمية هي المكان الوحيد الذي تتخذ فيها القرارات الا انه شبّه مؤتمر بانكوك ب"برلمان حول العولمه"، وذلك بمشاركة كل الدول من مختلف اقاليم العالم وكتله الاقتصادية. عن هذا الموضوع جرى حوار مع ريكوبيرو ودور التنمية في الوصول الى الاسواق. وهنا نص اللقاء: نحن في بداية الألفية الثانية وبعد الدورة العاشرة من مؤتمر التجارة والتنمية ما هي الخطة التي خرجت من هذا المؤتمر لصالح الدول الفقيرة؟ - بالطبع وكما تعرفين، أن الحاجة بالنسبة للدول النامية هي تحسين قدرتها الانتاجية وتوسيعها لأنه كثيراً ما تعتمد الدول النامية على المواد الخام مثل القهوة والكاكاو وخصوصاً في افريقيا. هذه البلدان تعتمد على صنف واحد او صنفين وبالتالي يجب عليها توسيع القدرة على العرض وهذا لا يتحقق إلا بالاستثمار والتكنولوجيا والادارة الجيدة، وأيضاً حل مشاكل الوصول إلى الأسواق الدوليه.لان العوائق والحواجز كثيرة لذلك على تلك البلدان أولاً تحسين قاعدتها الإنتاجية. تقول دائماً ان الوصول إلى الأسواق هو الحل ولكن هل يوجد هناك وصفة مكتوبة للوصول إلى هذا المفتاح او الأسواق؟ - بالطبع، ينبغي دخول المنافسة، لأن هذه البلدان لا يمكنها منافسة الدول الأقوى ولذلك يجب تعزيز التعاون الفني الموجه نحو التجارة. التي تعتمد على نوعية المنتجات وعلى التكنولوجيا. ولهذا علينا ان نعلّم الشعوب المتوسطة الحجم الاستفادة من العلاقات بينها. وعلينا الالتفات إلى أصحاب المشاريع الصغيرة، فهم الذين يخلقون فرص العمل، وبالتالي يستحقون المساعدة من دولهم، وايضاً مساعدة المؤسسات ومساعدتهم في الجهود بالوصول إلى وسائل التوزيع العالمي، وتعليمهم بالوسائل الحديثة في عرض سلعهم، والدعاية لمنتجاتهم بشكل افضل والمشاركة على التوزيع العالمي من خلال الشركات الكبرى وهذا ما يحدث بالفعل في مركز التجارة الدولي وهذا تابع لنا. أحد أسباب عدم المساواة بين الشمال والجنوب هي العولمة كيف يمكن سد هذة الثغرات؟ ما هو رأيكم بسياسة الأخذ من الاغنياء ومساعدة الفقراء؟ - من المستحيل أن نفكر بهذا السياق، ما ينبغي التفكير به ليس العطاء بالمجان صحيح ان الفقراء بحاجة للأغنياء. لكن إذا أراد الأغنياء ترويج بضائعهم عليهم إعطاء فرص للفقراء حتى يتمكنوا من دفع ثمن منتجات الأغنياء. ولهذا ان المصلحة مشتركة وواضحة للغاية والتفكير في أساطير الماضي ليس هو المطلوب تماماً والأسلوب الوحيد والأفضل هو امكانات فتح الأسواق أمام الفقراء. لماذا لم تستفد البلدان النامية من "جولة الاورغواي" كما كان متوقعاً؟ - ان مفاوضات الاوروغواي اتسمت بشيء من عدم التوازن، اذ وفقت البلدان الغنية بالحصول على 80 في المئة من منتجاتها في مجال الملكية الفكرية والتكنولوجية بينما الفقراء في مجالي الزراعة والمنسوجات حصلت على 15 في المئة من مطالبها الأساسيه. لذلك كان لا بد من تحرير الاسواق بشكل تدريجي للغاية ويجب تصحيح هذا الوضع. تعاني البلدان الاكثر فقراً من الديون وفوائدها التي تكلفها جل انتاجها القومي كيف يمكن لمنظمة "الاونكتاد" مساعدة هذه الدول؟ - أولاً عن طريق تخفيف الديون بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ثانياً مساعدتهم في برمجة ديونهم وبرنامج إدارة الديون يسمح لهم برؤية واضحة لالتزاماتها وتوفير قدر كبير من الأموال عبر أسلوب تحسين إدارتها لالتزاماتها المالية. طالبت إسرائيل بتفعيل الاتفاق الذي وقع مع "الاونكتاد" والبدء بإرسال خبرائها لمشاريع فلسطينية وذلك بعد تجميده اثر معارضة عربية شديدة اللهجه. كيف ستتعامل "الاونكتاد" مع هذا المطلب، وانت وعدت الدول العربية بتجميد ذلك الاتفاق؟ - بالنسبة لنا لا ينبغي تسييس الأمور. نحن ليس منظمة سياسيه. إننا نسعى لتجميع الحكومات لمصلحة واحدة هي التعاون، ونعمل الكثير للمساعدة في فلسطين، ونظمنا دورات لهذا الهدف، ولا يمكن ان نعمل في فلسطين وترفضون مشاركة اسرائيل. ان اسرائيل يمكنها مساعدة الفلسطينيين عن طريق مساعدتها وذلك في ما يتعلق بالموانئ والمطار والاتصالات. نعتمد كثيراً على هذا التعاون انطلاقاً من هذه المنظمة التي تسعى لخدمة الفلسطينيين. ونحن لا نطبق أي سياسة لأن هذا من صلاحية الجمعية العامة للامم المتحده. نحن الجهاز الفني التابع للجمعية، والسياسة تنظر فيها الجمعية اما نحن فلا نتعامل بالسياسه.