أعطى الأوروبيون في السنة ألفين صورة للعالم عن الصيغة الممكنة لإدارة علاقات معقدة ومضنية بين أعضاء الاتحاد الذي يستعد لاحتضان منتسبين جدد في السنوات المقبلة. وعلى رغم أن طبيعة الخلافات بين أعضاء الجامعة العربية هي من نوع آخر، فإن القمة العربية المقررة في آذار مارس المقبل في عمّان تتطلب منذ الآن وضع صيغة تحتوي الخلافات العربية وتدفع مشروع التكامل خطوات إلى الأمام. ففي ظل تشكيل تكتلات اقليمية في جميع مناطق العالم تقريباً وتعرض العالم العربي لمزيد من التهميش والتقزيم اقتصادياً وسياسياً وتكنولوجياً، بات البحث عن إطار اقليمي يحتمي به الجميع ضرورة تفرضها المصلحة الوطنية لكل بلد أكثر مما تمليه المشاريع الايديولوجية البراقة. لم تتقدم أوروبا في قمة نيس الأخيرة على بساط من حرير، فالخلافات استحكمت وتشعبت، خصوصاً بعدما نهض شيطان الصراع الفرنسي - البريطاني من قمقمه وطفت المنافسة الألمانية - الفرنسية على السطح. مع ذلك كرس الأوروبيون وقتاً وجهداً كبيرين للسيطرة على الخلافات وتوصلوا أخيراً إلى صيغ لا تبقي فقط على كيان الاتحاد، وإنما تفتح الباب كذلك لتعزيز بنيته وتقوية دوره بانشاء ذراع عسكرية واحتضان اثني عشر عضواً جديداً في غضون عشرة أعوام. ما الذي يجعل الأوروبيين قادرين على الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة من الانسجام، فيما العرب لا يزالون يطمحون إلى تأمين دورية القمة أولاً، قبل الخوض في مضامينها أو وضع مشاريع للمستقبل؟ لا خلاف على أن طبيعة المؤسسة الحاكمة في العالم العربي تختلف عن مثيلتها في أوروبا، وعلى أن مسار التطور السياسي في الغرب أفرز مؤسسات قادرة على التجرد من الاعتبارات الذاتية والمزاجية وتغليب المصالح على أي عنصر آخر. إلا أن حدة الخلافات لا تنفي إمكان انضاج الوضع العربي ليحقق قفزة إلى الأمام في القمة المقبلة، خصوصاً أن التطور الذي شهدته العلاقات السورية - العراقية يعطي مثالاً عن التغيير الممكن في العلاقات العربية - العربية. في مطلع الثمانينات كانت بين أيدي العرب قرارات بالغة الأهمية تجعل الطريق سالكة أمام اجتراح تكامل اقتصادي حقيقي من خلال نتائج قمة عمّان الاقتصادية 1980 التي وضعت بين ما وضعت اتفاقات لتيسير انتقال الاستثمارات والسلع والقوى العاملة، لكن المناخ السياسي المشحون بالصراعات والأحقاد وضع أحجاراً ضخمة على السكة وقطع الطريق أمام ميلاد مشروع شبيه بمعاهدة روما عام 1958 التي انبثقت منها السوق الأوروبية المشتركة بستة أعضاء فقط وتطورت لتشكيل الاتحاد الأوروبي الحالي. ويبدو أن المناخ السياسي الحالي بدأ يتحسن على رغم الجراح الموروثة من حرب الخليج الثانية، مثلما أظهرت ذلك القمتان العربية في القاهرة والإسلامية في الدوحة، وما رافقهما من مصالحات جانبية ساهمت في تنقية الأجواء العربية. وهذا ما يحفز على العمل منذ الآن لتحقيق النقلة المأمولة في قمة عمّان من خلال تسويات وتنازلات مبنية على المصالح المشتركة حتى لا نتقاسم جميعاً نتائج فشل تاريخي آخر.