عشية جولة يزور خلالها مصر والجزائر اكد رئيس البرلمان الروسي غينادي سيليزنيوف ل"الحياة" ان موسكو "لا تحارب الاسلام" في الشيشان، ودعا الى تعزيز العلاقات مع العرب وايد قيام دولة فلسطينية، وطالب برفع العقوبات الاقتصادية عن العراق ووقف الغارات الاميركية. وتوقع سيليزنيوف ان تسفر الانتخابات الرئاسية في روسيا عن فوز فلاديمير بوتين وتشكيل حكومة ائتلافية تضم الشيوعيين. وفي ما يأتي نص الحديث: ما اهداف زيارتكم الحالية لمصر والجزائر؟ - انها دليل على اهتمامنا بتطوير العلاقات مع العالم العربي الذي نؤمن بأنه سيلعب في القرن المقبل دوراً اكثر اهمية من السابق نظراً الى ما يتمتع به من موارد طبيعية وبشرية هائلة، وروسيا كانت دوماً شريكاً تقليدياً للعرب، ونحن، وان كنا بعيدين عن حجم التعاون الاقتصادي الذي كان قبل عشر سنوات، الا اننا نشعر بأن الامور سائرة نحو التحسن. وعلى الصعيد السياسي؟ - ثمة قواسم مشتركة منها تقويم الوضع في العالم المعاصر، والرغبة في التعددية بدلاً من الواحدية القطبية. كما ايدت دول عربية في حينه موقف روسيا المعارض لحل المشاكل الاثنية بالقوة كما جرى في البلقان. وضاعت دعوتنا آنذاك وها هي النتيجة كما نراها اليوم فالقصف لم يحلّ المشكلة بل دفعها نحو العمق وعقّد معالجتها. لا شك ان الوضع في القوقاز سيكون من محاور مباحثاتكم في مصر والجزائر، ما الرسالة التي تحملونها في هذا السياق؟ - نريد ان يكون في البلدان العربية عموماً تفهماً للوضع داخل روسيا وفي الشيشان تحديداً نحن لا نحارب الشعب الشيشاني بل نحارب ارهابيين دوليين نغصوا حياة الكثيرين ونفّذوا عمليات لم يكن في وسعنا السكوت عنها، خصوصاً احتلال جزء من جمهورية داغستان واعلان دولة هناك. وعملية مكافحة الارهاب تقترب من نهايتها وسيعود السلام تدريجاً. واود التأكيد اننا لا نحارب الاسلام، والدين لا دخل له في الموضوع. وبين الارهابيين مرتزقة من اوكرانيا والبلطيق وحتى من روسيا، وليس من بلدان اسلامية فقط. الصحافة في روسيا، بل وعدد من المسؤولين، يوجهون الى العرب اتهامات من دون براهين ويتحدثون عن بلايين من الدولارات "تُضخ لزعزعة الوضع في روسيا"، وثمة انطباع بأن هناك من يفعل ذلك عن عمد بهدف الاساءة الى العلاقات... - أعارض بشدة اي حديث عن "ارهابيين عرب"، فالارهاب ليس له قومية واتهام شعوب كاملة ب"تصدير" ارهابين ليس بالامر الصحيح ويتجاوز طبيعة العلاقات الودية بيننا. ولربما كان هناك فعلاً من له مصلحة في ان يلصق بالعرب تهمة الارهاب او يتهم الشيشانيين كلهم بأنهم قطّاع طرق. وانا اعترض على اي خدش لاحاسيس العرب بل واطلب من النواب ان يختاروا الكلمات بعناية لكي لا يسيئوا الى احد. قلت ان "عملية مكافحة الارهاب" تقترب من نهايتها فكيف نرى النهاية؟ وهل يمكن ان تعني التفاوض مع اصلان مسخادوف مثلاً؟ - النهاية تعني ان الجمهورية الشيشانية جزء من روسيا، تحيا وفق دستورها وتخضع لقوانينها. وليس ثمة من نفاوضه فمسخادوف كانت لديه الامكانات لتنفيذ اتفاقات خساويت الا انه بدلاً من ذلك واصل التسلح واستمرت في ظله عمليات خطف الرهائن والمتاجرة بهم. الانتخابات ثمة من رأى في الحرب الشيشانية عاملاً لتوحيد المجتمع الروسي وتعبئته لمصلحة الرئيس بالوكالة فلاديمير بوتين عشية الانتخابات. هل تصلح الحرب عاملاً للتوحيد؟ - لا اتفق مع من يصنع مثل هذه الاستنتاجات، فالغاية لا تبرر الوسيلة والمشكلة الشيشانية ستظل تدق ابواب كل بيت روسي، وتتطلب رصد مبالغ كبيرة في الموازنة لإعمار المدن والقرى، وفتح المستشفيات والمدارس. ويجب ان نتعاون مع الشيشانيين المستعدين لكظم الغيظ الذي تحدثه أي حرب. وهنا من المهم ان يقوم كل من الطرفين بخطوة نحو الآخر، ليس للانتقام بل لتضميد الجروح. وهذه مهمة لعشرات السنين. وبوتين اتخذ موقفاً صارماً لاستئصال الارهاب، وتصدى لمحاولات تقسيم روسيا لذا أيّده الشعب. وكانت هناك أصوات معارضة دعت الى "اطلاق" الشيشان وقالت ان لدينا من الأرض ما يكفي، وانا لا أتفق مع هذا الرأي، وأؤكد انه ليس لدينا "فائض" لا في الأرض ولا في البشر. اليوم الأحد تجرى انتخابات رئاسية في روسيا فهل ستحسم في جولة واحدة أم في اثنتين، وماذا بعدها؟ هل ثمة آفاق لتحالف بين القوى السياسية المتصارعة؟ - على رغم وجود 11 مرشحاً فإن هناك مرشحين رئيسيين هما فلاديمير بوتين والشيوعي غينادي زيوغانوف. لدى الاول فرصة اكبر لأنه رئيس للحكومة ورئيس للدولة بالوكالة. انا أؤيد زيوغانوف ولكن أرجح فوز بوتين. كنت عرضت مراراً على الرئيس السابق بوريس يلتسن ان يعلن صراحة عن نيته تشكيل حكومة ائتلافية تجعل الدولة اكثر استقراراً، وتؤمن للوزارة سنداً برلمانياً، الا انه كان عاجزاً عن قبول الفكرة. وتحدثت في المو ضوع ذاته الى بوتين، وهو يرى ان هذا الاحتمال وارد. فهو يريد استقراراً سياسياً يقتضي بلوغه الاعتراف بوجود قوى يسارية جدية وحزب شيوعي. ولذا فإن قيام حكومة ائتلافية ينضم اليها ممثلو اليسار أمر ممكن وبوتين لا يرفض هذا الاحتمال. هناك من اعرب عن تخوفه من ان يعتمد بوتين الذي كان ضابطاً في الاستخبارات نظام الحكم الفردي ويعود بالبلد 15 سنة الى الوراء... - قرأت مثل هذا الكلام وأرد عليه بأن بوتين ليس بينوشيه وهو يؤيد المؤسسات الديموقراطية ولا يريد اقامة ديكتاتورية أو نظام شبه عسكري. إذن هل ستتخلون عن مطالبكم السابقة بتعديل الدستور والحد من صلاحيات الرئيس؟ - بل سنقترح اقرار قانون بإنشاء جمعية دستورية لتعديل القانون الاساسي، والحد من صلاحيات الرئيس وتعزيز صلاحيات الحكومة والبرلمان بوصفه مؤسسة للرقابة. ولا نريد للحكومة ان تقال من دون عرض الأسباب كما كان الحال في عهد يلتسن، فهذا عسف اداري. والرئيس من حقه اقالة رئيس الوزراء اذا فشل في تحقيق البرامج، ولكن الإقالة غير مقبولة اذا كانت مجرد نزق أو لكون عيون هذا لم تعجب الرئيس أو شعر ذاك لم يرق له. أنت قادم من اجتماع لمجلس الأمن القومي قاده فلاديمير بوتين ما اهم مواضيع الحوار؟ - ناقشنا برنامجاً كاملاً لاستراتيجية السياسة الخارجية يحدد موقع بلادنا في العالم ويؤمن لها ألا تفقد نفوذها ويكفل امنها وأمن الدول المرتبطة معها بشراكة استراتيجية. وهل تريدون استعادة مواقع اضاعتها موسكو؟ - هذا ممكن شرط توافر الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي. والعظمة السابقة ينبغي ان تعود بشكل طبيعي. اذن هل في النية تفعيل دوركم في الشرق الأوسط؟ - نحن أحد الراعيين، ونأسف لأن عملية السلام تمر بمرحلة "تراخ". وبدا لنا بعد الانتخابات الأخيرة في اسرائيل ان مواقع الصقور ضعفت. وفرحنا بالفعل لفتح مطار غزة وحل قضايا اخرى. الا اننا سنواصل جهودنا لحين بلوغ الأمر الأهم وهو قيام الدولة الفلسطينية. ونتمنى على الحكومة الاسرائيلية الا تجد اسباباً لتجميد الحوار أو اتباع ديبلوماسية لا تقود الى نتيجة، واعتقد اننا سنشارك في ذلك العيد البهيج الذي سيحل بقيام الدولة الفلسطينية. ولكن علاقاتكم مع دول المنطقة ليست كما في الماضي... - روسيا لا تشيح بوجهها عن العرب، لكنها ما برحت حتى الآن ضعيفة اقتصادياً، وعند خروجها من الأزمة ستتطور علاقاتها على نطاق واسع. الدول العربية غنية بالنفط وروسيا غنية بخبرات ومعدات التنقيب عنه واستخراجه، وغنية بخبراتها في مجال الري وبناء الجسور... الخ. ومن مصلحتنا ان تتطور العلاقات مع كل الدول العربية، فالقاهرة، الآن تعرض مواصلة مشاريع كان بدأ تنفيذها في عهد الاتحاد السوفياتي. ونريد ان تزال العقوبات عن العراق، ونعار ض بشدة استمرار الغارات عليه من دون غطاء شرعي بل لمجرد رغبة الاميركيين. وندعو الى نظام دولي للمراقبة الدائمة على البرامج العسكرية الممنوعة على ان يقترن ذلك بتعليق كل أنواع المقاطعة الاقتصادية. ونريد ان ينظر مجلس الأمن في هذا الموضوع