} قبل ساعات من انقضاء الألفية الثانية، أعلن الرئيس الروسي بوريس يلتسن استقالته. وسلم "الحقيبة النووية" وسائر صلاحيات رئيس الدولة الى رئيس الوزراء فلاديمير بوتين الذي سيغدو بصفته رئيساً بالوكالة، المرشح الأقوى لانتخابات رئاسية مبكرة في آذار مارس المقبل. قطع تلفزيون موسكو برامجه عند الظهيرة، لبث خطاب بوريس يلتسن الذي قال بصوت تهدج انه "سيتحدث للمرة الأخيرة كرئيس لروسيا". وأضاف انه "بعد تفكير طويل وعميق" قرر الاستقالة. وصمت للحظات ثم تابع حديثه ليفند مزاعم ذكرت عن انه كان ينوي التشبث بالسلطة بأي ثمن. وفي تفسير لسبب إقدامه على الاستقالة قبل ستة أشهر من انتهاء صلاحياته الدستورية، ذكر يلتسن ان "الصحة ليست السبب". وتابع انه أدرك أن عليه "ألا يعيق المسيرة الطبيعية للتاريخ ... بالتشبث بالسلطة لنصف سنة أخرى فيما يوجد شخص قوي قادر على أداء المهمة". وسمى تحديداً فلاديمير بوتين الذي اجتمع اليه بحضور وزراء الدفاع والأمن والداخلية والخارجية وبطريرك عموم روسيا ثم اختلى به ليسلمه "الحقيبة النووية" ونسخة من الدستور الذي كان أقسم عليه اليمين. واعتبر يلتسن قراره "سابقة في التسليم الطوعي المتحضر للسلطة" في روسيا، مشدداً على أن "من أمضى في الحكم سنوات طويلة يجب أن ينسحب ... لتدخل روسيا الألفية الثالثة بساسة جدد وشخصيات ذكية فاعلة ونشيطة". واعتبر مراقبون أنه بذلك أراد تعزيز حظوظ بوتين والاشارة الى تقدم غريمة المحتمل يفغيني بريماكوف في السن. واعتبر يلتسن انه أنجز "قضية حياته"، مشدداً على أن روسيا لن تعود الى الماضي بل ستواصل مسيرتها الى الأمام. إلا أنه طلب من المواطنين "المغفرة" لأن الكثير من الوعود التي قدمت لم يتحقق. واعترف بأنه "كان ساذجاً" واخطأ في تقديراته حينما قرر "الانتقال بقفزة واحدة من الماضي الرمادي التوتاليتاري الى مستقبل متحضر وضّاء". واثر استقالة يلتسن، عقد بوتين اجتماعين طارئين للحكومة ولمجلس الأمن القومي، فيما أكد الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري ياكوشكين ان السياسة الخارجية الروسية "لن يطرأ عليها تغيير". وأشار الى أن يلتسن سيقوم بوصفه "أول رئيس لروسيا"، بزيارة كانت مقررة سلفاً الى بيت لحم لحضور احتفالات عيد الميلاد وفق التقويم الارثوذكسي. وأعلن الناطق باسم الحكومة ان بوتين سيحضر أيضاً الاحتفالات بصفته الجديدة كقائم بأعمال رئيس الدولة. واعتبر غالبية الساسة قرار يلتسن "خطوة شجاعة" إلا أنهم قدموا تفسيرات متناقضة لدوافعه. وأشار زعيم الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف الى ان القرار يعني ان "حزب يلتسن قد سقط ... بفعل نضال الشيوعيين والوطنيين". ودعا الى توحيد صفوف المعارضة لمنع الحكام الجدد من "استغلال عنصر المفاجأة" لكسب الانتخابات. وأكد الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف ان القرار محاولة لتكريس بوتين "وريثاً" لكنه ذكر أن حظوظ بريماكوف ما زالت قوية. وانتقد الزعيم السوفياتي السابق مظاهر الاستعجال في الأوساط المؤيدة لبوتين في مساعيها لفرضه على الشعب الروسي". ولم يخف قادة الكتل اليمينية ارتياحهم لقرار يلتسن الذي وصفوه بأنه عامل حاسم لتقرير مصير السلطة في روسيا للسنوات القادمة. وبعد الصدمة الأولى التي أحدثها القرار تراجعت قيمة الأسهم في البورصة لكنها عادت الى الصعود وسجلت ارتفاعاً غير مسبوق بلغ أكثر من 16 في المئة. واعتبر ذلك دليلاً على ترحيب رجال الأعمال بتولي بوتين مقاليد السلطة في روسيا. وأيدت غالبية السياسيين الروس قرار يلتسن الاستقالة وتسليم بوتين السلطة العليا في روسيا. الا ان البعض لم ير فوز القائم بأعمال الرئاسة امراً حتمياً. واعتبر محافظ موسكو يوري لوجكوف الذي يشارك في رئاسة كتلة "الوطن كل روسيا"، قرار يلتسن "صحيحاً" ولكن متأخراً في موعده. وقال لوجكوف ان مشاكل يلتسن الصحية تفاقمت منذ سنة ونصف السنة وكان عليه ان يتخذ القرار المناسب منذ فترة طويلة . ودعا رئيس الوزراء السابق فيكتور تشيرنوميردين الذي بقي على ولائه للرئيس رغم اقالته المفاجئة عام 1998، كل الأوساط السياسية الروسية الى "الالتفاف" حول بوتين ودعمه في موقعه الموقت وفي الانتخابات الرئاسية في شهر آذار مارس المقبل.