2.5 % مساهمة صناعة الأزياء في الناتج المحلي الإجمالي    القوات البحرية تدشن عروضها في شاطئ الفناتير بالجبيل    رئاسة اللجان المتخصصة تخلو من «سيدات الشورى»    «النيابة» تحذر: 5 آلاف غرامة إيذاء مرتادي الأماكن العامة    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    "مدل بيست" تكشف مهرجان "ساوندستورم 2024" وحفل موسيقي لليوم الوطني ال 94    الاتحاد السعودي للهجن يقيم فعاليات عدة في اليوم الوطني السعودي    الأخضر تحت 20 عاماً يفتتح تصفيات كأس آسيا بمواجهة فلسطين    "أكاديمية MBC" تحتفل بالمواهب السعودية بأغنية "اليوم الوطني"    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    مجلس الأمن يعقد اجتماعا طارئا لبحث التطورات في لبنان    شرطة نجران تقبض على شخص لحمله سلاحًا ناريًا في مكان عام    بيع جميع تذاكر نزال Riyadh Season Card Wembley Edition الاستثنائي في عالم الملاكمة    رياض محرز: أنا مريض بالتهاب في الشعب الهوائية وأحتاج إلى الراحة قليلاً    الدرعية تحتفل بذكرى اليوم الوطني السعودي 94    حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ترومان» تبحر إلى شرق البحر المتوسط    «لاسي ديس فاليتيز».. تُتوَّج بكأس الملك فيصل    النصر يستعيد عافيته ويتغلّب على الاتفاق بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    الناشري ل«عكاظ»: الصدارة أشعلت «الكلاسيكو»    وزارة الداخلية تحتفي باليوم الوطني ال (94) للمملكة بفعاليات وعروض عسكرية في مناطق المملكة    السعودية تشارك في اجتماع لجنة الأمم المتحدة للنطاق العريض والتنمية المستدامة    هزة أرضية جنوب مدينة الشقيق قدرها 2.5 درجة على مقياس ريختر    رئيس جمهورية غامبيا يزور المسجد النبوي    أمانة القصيم توقع عقداً لمشروع نظافة مدينة بريدة    ضبط مواطن بمحافظة طريف لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    برعاية وزير النقل انطلاق المؤتمر السعودي البحري اللوجستي 2024    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    أمين الشرقية يدشن مجسم ميدان ذاكرة الخبر في الواجهة البحرية    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    نائب الشرقية يتفقد مركز القيادة الميداني للاحتفالات اليوم الوطني    جيش إسرائيل يؤكد مقتل الرجل الثاني في حزب الله اللبناني إبراهيم عقيل    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    الذهب يرتفع بعد خفض سعر الفائدة.. والنحاس ينتعش مع التحفيز الصيني    بعد فشل جهودها.. واشنطن: لا هدنة في غزة قبل انتهاء ولاية بايدن    «الأرصاد»: ربط شتاء قارس بظاهرة «اللانينا» غير دقيق    حافظ :العديد من المنجزات والقفزات النوعية والتاريخية هذا العام    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    إسرائيل - حزب الله.. هل هي الحرب الشاملة؟    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    على حساب الوحدة والفتح.. العروبة والخلود يتذوقان طعم الفوز    قصيدة بعصيدة    قراءة في الخطاب الملكي    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسيرة عمرها 55 عاماً عاصرت فيها تحديات ومشاكل لم تتوقف . "طيران الشرق الأوسط"... قصة ناقلة عربية عرفت الذروة وأدخلت إلى عالم الطيران مفاهيم ثورية في النقل الجوي
نشر في الحياة يوم 23 - 03 - 2000

تكبر شركات الطيران وتعيش، مثل كل الكائنات الحية. لها مسيرة تحفل بقصص تتجاوز ما تحوزه المخيلة، بما في ذلك مخيلة المسافرين الذين يجلسون على مقاعد الطائرات، لا تتجاوز معرفتهم بشركات الطيران التي يستقلون رحلاتها، إلمامهم بشعارها واسمها وعملها في النقل الجوي.
أقاصيص الشركات، لا سيما الناقلات الجوية، خبرات وتجارب عايشها الرجال الذين عملوا فيها، أولئك الذين صعدوا وهبطوا معها في المطبات الكثيرة التي تعترض مساراتها جميعاً. يوسف لحود، المدير العام السابق، غادر مكتبه في مقر شركة "ميدل ايست" في العاشر من تموز يوليو 1998 مغلقاً وراءه باب حياة طويلة بدأها مذ شرع يعمل في الشركة قبل 39 عاماً.
"في فترة السبعينات، كانت "شركة طيران الشرق الأوسط الخطوط الجوية اللبنانية" من أبرز الشركات الاقليمية وأكثرها حيوية ونشاطاً. وكان لها سبق الريادة في الكثير من أساليب الخدمة الجوية الراقية وتطوير أنشطة النقل الجوي في العالم". الشركة التي يتحدث عنها المدير العام السابق آلمتها الحرب التي ضربت البلد الذي تمثله وأغلقت مراراً المطار الذي تتخذه منطلقاً لشبكة رحلاتها حول العالم.
يوسف لحود غادر ليشغل منصباً في شركة لبنانية زميلة قررت الاستفادة من خبرته باعتباره أحد أبرز خبراء الطيران في العالم العربي، ممن يشهد لهم جميع من عرفوهم بالنزاهة والاستقامة والجدية.
بدأ السيد لحود حديثه إلى "الحياة"، مع انطلاق رحلته في الشركة: "عام 1959 دخلت الى الشركة كخبير اقتصادي. عملت في قسم الاقتصاد الذي كان يرأسه السيد أسعد نصر الذي أصبح في فترة لاحقة رئيساً للشركة. لم يكن عمل القسم قاصراً على الناحية التجارية لشبكة الخطوط وتشغيل الطائرات بل كنا نقوم بدراسات الجدوى لكل المشاريع التي تعرض على الشركة سواء تعلق الأمر بنقل موظفين الى شركة مشتركة أو فتح محطة جديدة أو الدخول في مشروع جديد. كل الخطوات كان يعرض على القسم لاعداد دراسة اقتصادية ومالية عنه، ثم تحول الى الدائرة المختصة حيث تُراجع من قبل رئيسها ورئيس مجلس الادارة. وكانت "ميدل ايست" من أولى الشركات التي اعتمدت هذا الاسلوب العلمي في العمل".
يضيف: "كنا نستقطب الشباب الجامعي، في نهاية كل سنة. نتعاقد معهم كمتدربين. ندفع لهم رواتب مغرية ولا نقيدهم بأي مهلة محددة للفترة التي يعملون فيها لدى الشركة. كانوا أحراراً في تركنا ساعة يشاؤون. التجربة كانت في نظرنا مهمة لأنها كانت تأتي لنا بأفكار جديدة، تسهم في تحسين صورة الشركة. وكثيرون من رجال الاعمال اللبنانيين الذين برعوا في مجالاتهم مروا في هذه الدائرة لمدة ستة شهور أو سنة أو أكثر".
الدائرة الاقتصادية باتت تابعة اليوم للدائرة التجارية وتقلصت كثيراً، وصارت مسؤوليتها محصورة فقط بالتخطيط التجاري. "الدوائر الاقتصادية جزء أساسي من مسعى كل شركة لتجديد نفسها باستمرار، وأكبر دليل على ذلك الخطوط الجوية البريطانية التي تملك شعبة تخطيط استراتيجي تتبع مباشرة الرئيس التنفيذي، وهي من الدوائر المهمة في عالم هذه الشركة التي غيرت كثيراً من مفاهيم النقل الجوي التجاري في نهاية القرن العشرين".
السيد لحود أمضى في القسم الاقتصادي سنتين، انتقل بعدهما الى القسم التجاري لمدة سنتين "بهدف توسيع الخبرة"، ليعود الى القسم الاقتصادي كرئيس لهذا القسم "وهو منصب بقيت فيه حتى عام 1975".
يتابع قائلاً: "الشركة مرت بأزمات كثيرة اعترضت نموها ومع ذلك واصلت النمو بقوة واستمرت تنطلق في خطط توسع نشطة. ولعل من أبرز الأزمات التي اعترضتها أزمة "بنك انترا" عام 1966، وهو مصرف كان يملك قرابة 65 في المئة من أسهم الشركة. وكانت كل أموال الشركة مودعة لديه، الأمر الذي أبقى الشركة أشهراً عدة من دون أي أموال للدفع بعد توقف المصرف عن السداد".
"عام 1967 وقعت حرب الأيام الستة وخسرت الشركة محطة القدس، إحدى أهم الوجهات التي يقصدها السياح القادمون من أوروبا ومن بقية أنحاء العالم والتي كانت الشركة تُسيّر اليها ثلاث رحلات يومياً من بيروت".
"نهاية عام 1968 هاجمت القوات الاسرائيلية مطار بيروت ونسفت كل أسطول الشركة ونجت طائرتان من الحريق فقط. عوضنا من خلال استئجار طائرات في اليوم الثاني. ثم استأجرنا طائرات "كورونادو" التي كانت تصنعها شركة "كونفير" الأميركية والتي كانت الناقلات الأميركية أوقفتها عن العمل بسبب كلفة تشغيلها العالية. استأجرناها بسعر بخس، وبقيت قيد العمل حتى نهاية 1969 حينما وصلتنا على مدى عامين 19 طائرة "بوينغ" من طرازي "707" و"720".
"وأوصت الشركة عام 1973 على ثلاث طائرات جمبو "بوينغ 747" حصلنا عليها مطلع 1975، وقبل نحو ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. كانت "ميدل إيست" كبرت كثيراً آنذاك وصار لديها عام 1975 قرابة خمسة آلاف موظف، لتصبح بذلك أول رب عمل في القطاع الخاص في لبنان. وهي كانت من أولى الشركات التي أدخلت هذا الطراز من الطائرات الكبيرة البعيدة المدى إلى منطقة الشرق الأوسط".
"خلال كل تلك الفترة التي سبقت الحرب الأهلية تغلبت الشركة على كل الصعوبات التي واجهتها، والسبب أن لديها إدارة واعية وقوية تخضع للأسلوب العلمي في العمل، من دون الالتفات إلى الاعتبارات الطائفية أو السياسية، وعلى سبيل المثال لم يتم تعيين أي شخص أو تكليف أي فرد بالقيام بوظيفة مهمة لأنه ينتمي إلى طائفة معينة أو يتبع شركة معينة. كانت شركة بكل معنى الكلمة وكانت القرارات تطبق بكل دقة بمشاركة الموظفين الذين كانت توزع عليهم حصة من الأرباح تبلغ 20 في المئة، قبل أن يتم تحويلها إلى أسهم، وهذا هو السبب الذي جعل كثيرين من الموظفين يحملون أسهماً حتى الآن".
"من بين عناصر النجاح التي سارت عليها الشركة أيضاً اتكالها على العناصر الشابة ذات الكفاءة، وهو أمر تغير لسوء الحظ خلال فترة الحرب ليصبح الاعتماد قائماً على عنصر الأقدمية".
"عام 1975 كانت الشركة في ذروة نموها ثم جاءت الحرب ليقفل مطار بيروت الدولي الذي يعتبر محطة عملياتها الرئيسية. وأثّر هذا الأمر على سير عمل الشركة ورحلاتها المجدولة. ويكفي للتدليل على ذلك الاشارة إلى أن عدد الأيام التي أوقف فيها المطار عن العمل، بين عامي 1975 و1990، بلغ 800 يوم. وصار معتاداً إقفال المطار وإغلاقه من دون تمهيد. هذا الأمر حدا برئيس الشركة الشيخ نجيب علم الدين، الذي كان لديه تفكير بعيد وفهم للأحداث، لإقامة إدارة موازية في أوروبا تتولى الإدارة إذا تعطل العمل في مطار بيروت. وأتى بي لهذا الغرض مع فريق عمل ضم أيضاً السيد محمد الدويدي، وجعل مركز عملنا لندن، ثم انتقلنا بعد ذلك بنحو ثمانية أشهر إلى باريس. وأتى كثيرون منهم السيد عبدالمنعم حطيط وكان حينها طياراً رئيساً لنقابة الطيارين قبل تعيينه لاحقاً رئيساً لدائرة العمليات. وكان دورنا تأجير الطائرات التي تبلغ ثلاثاً من طراز "747" وتسعاً من طراز "707" و"720"، وفي مقدمها طائرات الجمبو الثلاث التي كانت أكثر ما يهمنا لأننا كنا ندفع حينها أقساطاً شهرية نسددها عن طريق مصرف ضمان الصادرات الأميركية "إكزيم بنك". وكان أكبر هم لدى الشيخ نجيب أن نتمكن من السداد قبل حلول الأجل، حتى لا يقال إن الشركة ستُفلس أو أنها غير قادرة على النهوض بالتزاماتها. وبالفعل لم نتأخر في أي دفعة على الاطلاق".
"ما قامت به "ميدل إيست" تحول بدوره إلى أسلوب عمل تعمم استخدامه لاحقاً وباتت تلجأ اليه شركات طيران أخرى كثيرة. إذ كنا نقوم بتسيير رحلات وخطوط جديدة لحساب شركات ثانية نكفل لها أي خسائر بهدف تشجيعها على التعاون معنا، وبعد دراستنا لجدوى التشغيل طبعاً. الخطوة كانت ابتكاراً في عالم الطيران، وبعدنا بدأت شركات كثيرة تتبنى هذا الأسلوب الذي بات أمراً مألوفاً".
"في هذا الإطار فتحنا خطاً لحساب شركة "اليتاليا" بطائرة "بوينغ 707" بين روما ودبي، وكذلك ل"طيران الخليج" بطائرة "بوينغ 747" من المنامه إلى مانيلا وبانكوك وبعد سنتين أخذت الشركتان الخطين، وقمنا برحلات أيضاً ل"الخطوط السعودية" بين جده وكولومبو. وهناك خطوط أخرى غيرها أنشأناها وسيرناها بهذه الطريقة".
"سنة 1979 صار هناك نوع من الهدوء في لبنان، بعد انتخاب الرئيس الراحل الياس سركيس. وسادت الجميع قناعة بأن السلام عاد إلى ربوع البلاد. وفي تلك السنة حققت الشركة، التي كانت تتكبد خسائر منذ عام 1975، أرباحاً وكذلك خلال العام اللاحق. ولتجديد دمائها عينت بعض الموظفين الشبان من مضيفين ومضيفات وموظفي مناولة وحجز، وأوصت أيضاً على خمس طائرات "إيرباص 200 - 310". هذه الصفقة ألغيت لاحقاً عام 1983 ولم تتسلمها الشركة واشترت "الخطوط الكويتية" الطائرات الموصى عليها".
"خلال تلك الفترة كانت الشركة قادرة على تعويض خسائرها، إذ راوحت بين سنة خسارة وأخرى رابحة. وأدى الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 إلى شل مطار بيروت واحتراق إحدى طائراتنا على مدرجه".
"التغييرات طاولت الادارة. عام 1980 عُيّن أسعد نصر رئيساً لمجلس الادارة، ثم عُين في هذا المنصب عام 1983 سليم سلام، في حين عُينت مديراً عاماً. وفي تلك الفترة بدأ العمل السياسي يؤثر على طريقة اتخاذ القرار ومعه بدأت الصعوبات تعترض عمل الشركة، وصار هناك موظفون لا يستطيعون القدوم وبعضهم كان يأتي".
"كان أصعب وأهم هدفين لنا هو تأمين وصل بيروت بالخارج، لا سيما بعدما جرى عام 1984 خطف طائرة "تي. دبليو. إي" الأميركية، ولم يعد يأتينا منذ ذلك الحين أي زائر أجنبي. أما المشكلة الثانية فكانت تأمين التحاق الموظفين بمكان عملهم، وأن نؤمن لمن لا يستطيعون الالتحاق دخلاً كافياً. وكنا ندفع أحياناً الراتب بأكمله، وكان الأمر يصل بنا أحياناً كثيرة حد دفع نصف الراتب".
"الظروف حالت دون إفساح المجال للتخطيط والدراسة والتفكير بالمستقبل. كان همّنا منصباً على تأمين التشغيل وضمان إقلاع الطائرات وتأمين حياة الموظفين وعدم خطفهم. كانت تلك أياماً صعبة للغاية. وكان لرئيس الشركة سليم سلام فضل كبير في المحافظة على وحدة الموظفين الذين كانوا من فئات وأحزاب وجماعات مختلفة. كانوا كلهم يأتون إلى الشركة. وأقام السيد سليم سلام فريق عمل كان معه باستمرار في الشركة، ومنهم جماعات حراسة للمحافظة على ممتلكات الشركة. وساعدنا كثيراً الجيش السوري الذي كان موجوداً في محيط المطار، والجيش اللبناني عندما أتى إلى المطار".
"كانت تلك فترة صعبة نسيها الناس، لكن طبعاً في فترات من هذا النوع كان لا بد من القيام ببعض المسايرات. كانت في بدايتها محدودة، لكن مع هذا الأمر بدأ التسييس. أما الموظفون الذين كانوا يأتون تحت الخطر فكانوا يعتبرون أن الشركة مدينة لهم في كل ما يتعلق بقرارات الترقية".
"عام 1992 حدث تسييس للشركة على صعيد الإدارة لم يكن موجوداً من قبل. إتفق رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي ورئيس الوزراء آنذاك رشيد الصلح أن يكون رئيس الشركة سنياً ومديرها العام مارونياً، وصار أعضاء مجلس الادارة تابعين لمرجعيات مختلفة. وسادت الشركة عقلية تقول إن الموظف لا يتوجه إلى رئيسه أو مسؤول قسم الموظفين وإنما يذهب إلى ممثل حزبه أو طائفته. تم تقنين العلاقات في أطر لا علاقة لها بالأطر الإدارية ومن دون تنظيم. وكانت الإدارة تحاول أن تتصدى لما يحدث ولكن نجاحها على هذا الصعيد كان محدوداً".
"ابتدأت الخسائر تتراكم. كانت الشركة تخسر لكن الخسارة بدأت ترتفع، في ظل محاولات كثيرة بُذلت للتوفير في شكل محدود من دون أي تغيير في الهيكلية".
"أعددت تقريراً منذ عام 1994 أرسلته إلى رئيس مجلس الإدارة ولم يبحث في المجلس. قلت له فيه إن ما يتم يشبه أخذ مسكنات لن تخفف الخسارة أو تلغيها. وعددت فيه أيضاً المشاكل الأساسية التي تواجهها الشركة".
"المشاكل التي عددتها كانت أن شبكة خطوط الشركة كانت متشعبة كثيراً، والسبب أننا خلال الحرب صرنا نسيّر رحلات إلى بلدان كثيرة مرة واحدة في الأسبوع لنصل بيروت بالعالم. وكان تشغيل رحلات مجدولة مرة واحدة أسبوعياً أمراً خاسراً، كما أننا كنا في كل مرة نقرر إغلاق محطة ما تقوم القيامة ولا تقعد".
"أيضاً، قبل الحرب كانت حركة نقل المسافرين اللبنانيين تُشكّل 50 في المئة من حركة النقل الجوي، ولكن خلال الحرب صارت كل الحركة لبنانية أساساً، ولكن موسمية. وكنا نشهد في الصيف إقبالاً كبيراً في اتجاه واحد لمدة أسابيع يواكبه توتر من المسافرين إذا لم تكن هناك مقاعد كافية. بينما كانت الحركة شتاء خفيفة".
"في الوقت ذاته صارت طائرات "بوينغ 707" قديمة. وهي على رغم كونها لا تزال صالحة للتشغيل، إلا أنها باتت تفتقد إلى التجهيزات الحديثة والخاصة بالترفيه الذي زودت به الشركات المنافسة التي كانت تسيّر رحلاتها إلى لبنان طائراتها".
"من جهة ثانية لم يعد لدى الموظفين حافز المبادرة. ولتخفيف الخسارة أوقفنا الترقيات والزيادات والعلاوات ولكن من دون أن نطرد أحداً. صرنا مثل الدوائر الحكومية، إلا أنهم في الدوائر العامة إذا رقّوا أحداً دفعوا له بدل الترقية، أما "ميدل إيست" فلم تكن تدفع أي مبالغ. وكذلك تقدم الموظفون في السن، وصار متوسط أعمارهم عام 1994 في حدود 48 سنة".
"أما على صعيد المشتريات فلم تكن هناك معلومات تلقائية لأن الشركة تخلّفت خلال الحرب عن ميكنة عملياتها ومنها الحجز والمحاسبة التي كانت لا تزال تتم باليد. وفي المشتريات كنا معتادين منذ 30 سنة على الشراء من عدد محدود من المصادر، بينما ظهر خلال الحرب مورّدون وشركات جديدة كان بوسعنا التوفير لو تعاملنا معهم".
"المعالجات كانت تنصب على تخفيف عدد الموظفين في الخارج ووقف الزيادات والعلاوات في الداخل. وكانت نتائج هذه الاجراءات عكسية في رأيي، أغلب الوقت".
شركة تكبر وتنمو
تأسست شركة "طيران الشرق الأوسط" عام 1945، وبدأت عملياتها العام التالي. يقول السيد لحود: "بين عام 1959 و1975 عرفت الشركة نمواً كبيراً. سنة 1961 أقمنا في المطار حفلاً لاستقبال الراكبة المليون. عام 1963 استقبلنا الراكب رقم مليونين، أي أننا في ظرف سنتين نقلنا مليون مسافر. ومطلع السبعينات صرنا ننقل 2،1 مليون راكب سنوياً. كانت تلك الفترة الذهبية وكانت الشركة تحصد الجوائز العالمية الواحدة تلو الأخرى، محققة الريادة في مجالات الخدمة الجوية وأساليب الادارة والتشغيل المبتكرة".
كانت "ميدل ايست" معروفة في العالم على اعتبار أنها أول شركة في العالم أدخلت توزيع الكافيار على ركاب الدرجة الأولى. بقية الشركات حذت حذوها بعد ذلك ليصبح الأمر مجرد عرف تقليدي. كانت الشركة أيضا توزع السيجار الكوبي الفاخر على ركاب الدرجة الأولى، وكانت تحرص دائما على ادخال أحدث الطائرات الى أسطولها وتوظف مضيفات من مختلف أنحاء العالم.
"كانت "ميدل ايست"، إلى جانب "الخطوط السويسرية" وشركة الطيران الهولندية "كي.أل.أم"، أولى شركات في العالم طورت نظام المطار- المركزHUB الذي أصبح أساس مفهوم النقل الجوي الدولي اليوم، بمعنى أن الاعتماد لم يكن منصباً على الركاب المتجهين من والى المطار الوطني للناقلة، وانما بات يتعداهم الى ركاب الترانزيت أيضاً".
طائرات "ميدل ايست" كانت تأتي من الخليج صباحاً، بين التاسعة والحادية عشرة، ثم تنطلق الى أوروبا بين الثانية عشرة والواحدة والنصف من بعد الظهر، ثم تعود في اليوم التالي بعد الظهر من أوروبا لتتوجه إلى الخليج والهند وباكستان مساء. "وكانت نسبة نقل ركاب الترانزيت تشكل 50 في المئة من مجموع أنشطة النقل الجوي للناقلة اللبنانية".
واستقدمت الشركة طرازات عدة من الطائرات. وكانت دائماً حريصة على استقدام أفضل ما تعرفه صناعة النقل الجوي في هذا المجال. وأدخلت عام 1960 طرازات "كوميت 4 سي" إلى أسطولها، وبعدها طائرات "كارافيل"، عقب دمج شركة "الخطوط الجوية اللبنانية". وكانت في لبنان شركتان لبنانيتان أخريتان تتوليان نقل الركاب، بالاضافة إلى شركة ثالثة هي "تي. أم. إي" للشحن الجوي.
وكان اسم شركة الركاب الأولى "الخطوط الجوية اللبنانية" والثانية "شركة الخطوط الجوية الدولية اللبنانية" التي كانت معروفة باسم "ليا".
وكانت الشركتان تشكلان منافساً قوياً، لا سيما "الخطوط الجوية اللبنانية"، التي كانت مملوكة من قبل "الخطوط الجوية الفرنسية" وشركاء آخرين لبنانيين.
وعام 1963 جرت عملية دمج جمعت "الخطوط الجوية اللبنانية" و"طيران الشرق الأوسط"، وذلك بعدما أقنع رئيس ومالك "بنك انترا" يوسف بيدس، ورئيس "طيران الشرق الأوسط" الشيخ نجيب علم الدين "الخطوط الفرنسية" وكبار المساهمين في "الخطوط الجوية اللبنانية" بأهمية الاندماج. ونتيجة الصفقة حصلت "الخطوط الفرنسية" على 30 في المئة من الشركة الجديدة التي صارت تحمل اسمها الحالي وهو: "طيران الشرق الأوسط الخطوط الجوية اللبنانية". بعد ذلك جرى اتفاق لقياس المداخيل على الخطوط المشتركة بين "طيران الشرق الأوسط" وشركة "ليا" المنافسة. وكان الغرض تخفيف حدة المنافسة والتزاحم على الخطوط. لكن شركة "ليا" واجهت صعوبات مالية عام 1969، وجرى التفاهم على تصفيتها وعلى أن تستوعب "ميدل إيست" الموظفين وتشغّل الخطوط الجوية للشركة المنحلة. وصارت "ميدل إيست" الشركة اللبنانية التي يحق لها نقل الركاب، وهو أمر مرشح للتغيير بعدما قرر لبنان فتح أجوائه وحفز المنافسة وتشغيل رحلات طيران عارض إلى مطار القليعات في الشمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.