دخل العالم ومعه اسرائيل القرن الواحد والعشرين، فخلال أكثر من واحد وخمسين عاماً من انشائها 1948 - 2000، حققت الدولة العبرية تطورات عديدة على المستويين الديموغرافي والاقتصادي، تمثل الأول برفع عدد اليهود فيها من 650 ألفاً الى خمسة ملايين يهودي في بداية القرن الذي بدأ خطواته، وساهمت الهجرة بنحو 55 في المئة من الزيادة السكانية اليهودية، بيد أن السنوات الأولى من اقامة اسرائيل كانت قياسية في جذب المزيد من المهاجرين اليهود، وكذلك كان لانهيار الاتحاد السوفياتي بالغ الأثر في جذب اسرائيل نحو 900 ألف مهاجر يهودي خلال السنوات 1989 - 1999، وتبعاً لذلك أصبح اليهود الأشكناز من أصل أوروبي وأميركي يشكلون 40 في المئة من اجمالي اليهود في اسرائيل أي نحو مليوني يهودي، في حين يشكل اليهود من أصل سفاردي شرقي 36 في المئة أي نحو 1.8 مليون يهودي، أما اليهود الصابرا، الذين ولدوا وآبائهم في فلسطين وغالبيتهم من أصول غربية، فانهم يشكلون 24 في المئة من يهود الدولة العبرية، أي حوالي 1.2 مليون يهودي، ولا تتعدى نسبة الأطفال في المجتمع اليهودي في اسرائيل 30 في المئة، في حين تشكل قوة العمل فوق الخامسة عشرة من العمر 61 في المئة، أي أنه مجتمع ناضج وفق المقاييس السكانية الدولية، على عكس المجتمع العربي في الدولة العبرية والذي يبلغ مجموع أفراده نحو مليون نسمة، إذ يعتبر فتياً تزيد فيه نسبة الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر 42 في المئة، فضلاً عن ذلك فإن الخصوبة عند المرأة اليهودية متدنية لا تتعدى طفلان للمرأة الواحدة طيلة حياتها الانجابية مقابل أربعة أطفال عند المرأة العربية في اسرائيل، ويعود التفاوت المذكور الى أصول غالبية اليهود في الدولة العبرية حيث بات الاشكناز أغلبية وبالتالي انعكاس عادتهم وتقاليدهم بشكل ملحوظ على اتجاهات التطور الديموغرافي في اسرائيل، لكن الهجرة اليهودية ما زالت تلعب الدور الأبرز في الزيادة السكانية بين فترة وأخرى، وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها الدولة العبرية في المستوى الديموغرافي، إلا أنها لم تستطع جذب الأكثرية اليهودية في العالم اليها والى الأراضي العربية المحتلة، فحتى نهاية العام 1999 لم تتمكن جذب سوى 38.4 في المئة من اجمالي مجموع اليهود في العالم البالغ 13 مليون يهودي، لكن اسرائيل استطاعت خلال الفترة 1948 - 1999 تحقيق مستويات تطور اقتصادي ملحوظة ارتقت الى معدلات النمو السكاني من جهة، ومتطلبات الرفاه المستمرة من جهة أخرى للحفاظ على عوامل الجذب القوية باتجاهها في الوقت المناسب، ومر الاقتصاد الاسرائيلي خلال الفترة المذكورة بمراحل عديدة، كانت كل مرحلة تواكب التوجهات السياسية وتؤسس لمرحلة جديدة الى أن حقق الاقتصاد الاسرائيلي قفزات نوعية، وساعد في ذلك المنح والمساعدات الأميركية للدولة العبرية التي بلغت بشقيها العسكري والاقتصادي نحو 77 بليون دولار منذ عام 1949 وحتى عام 2000 وقد كان لمستويات التعليم لدى المهاجرين اليهود، واعتماد الدولة العبرية سياسة تعليمية لرفع سوية التعليم بالغ الأثر في ارتقاء الأداء الاقتصادي ودفع التنمية الاقتصادية الى الأمام، كما كان لزج عناصر انتاج في الاقتصاد الاسرائيلي دوراً في رفع معدلات النمو الاقتصادي لتصل الى 3.5 في عام 1999 وتحقيق ناتج محلي كبير وصل الى نحو 105 بليون دولار في العام نفسه، ما أدى الى تبوأ الدولة العبرية المراتب الأساسية في التقارير الدولية، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار ارتفاع العمر المتوقع لدى الفرد الاسرائيلي 77 عاماً، ومستويات التعليم بين الكبار التي تصل الى 95 في المئة في نهاية عام 1999. ويمكن أن يتحسن أداء الاقتصاد الاسرائيلي في قطاعاته المختلفة في ظل ارتفاع مستويات التنمية الاجتماعية، الأمر الذي سينعكس على بعض الأزمات التي واكبت الاقتصاد الاسرائيلي من ارتفاع للديون، وعجز تجاري خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي، وتضخم نقدي معبراً عنه بارتفاع الأسعار بين سنة وأخرى، وقد تدفع زيادة حجم الاستثمارات المتوقعة بفعل تقدم عملية السلام الى الحد من معدلات البطالة التي تصل في اسرائيل الى 10 في المئة من قوة العمل، حيث وصلت قيمة الاستثمارات الأجنبية في اسرائيل نحو بليوني دولار في النصف الأول من عام 1999 مقابل بليون دولار خلال الفترة الموازية من عام 1998، وبناء على ذلك يمكن أن يتراجع عدد العائلات الفقيرة في اسرائيل عن مستواه المتحقق والبالغ 267 ألف عائلة، أي نحو مليون نسمة في عام 1999 الى أدنى مستوياته مع الانطلاقة المتوقعة لأداء الاقتصاد الاسرائيلي خلال السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين. وتبقى الاشارة الى أن الاقتصاد الاسرائيلي يتمتع بميزات كبيرة مقارنة باقتصاديات الدول الشرق أوسطية الأخرى، وقد انعكس ذلك في مواقع تلك الدول وترتيبها في التقارير الدولية المتخصصة بالتنمية البشرية والاقتصادية، فجميع تلك الدول أو أغلبها لم يحقق سوى تنمية متوسطة، في حين حققت الدولة العبرية تنمية عالية وهي تدخل القرن الواحد والعشرين، وقد ينعكس ذلك على العلاقات غير المتوازنة في حال تم انشاء نظام شرق أوسطي بعد تقدم عملية السلام، ووضع آليات حقيقية له. * باحث في مكتب الاحصاء الفلسطيني - دمشق.