عقدت خلال السنوات القليلة الماضية ندوات ومؤتمرات دورية في إسرائيل لتوصيف بعض الظواهر والازمات وامكانية الحد من تفاقمها أو تجاوزها. ومنها تراجع أرقام الهجرة اليهودية والشيخوخة الزاحفة في إسرائيل نظراً الى تركيبة المجتمع اليهودي في شكل خاص وضعف خصوبة المرأة اليهودية مقارنة بالنساء العربيات داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذا السياق يمكن ابراز تلك الظاهرة وحجمها من خلال قراءة متأنية للأرقام التي يصدرها الجهاز الإحصائي الإسرائيلي في شكل دوري، حيث أشارت معطيات إحصائية حديثة صادرة عن الجهاز المذكور الى أن نسبة فلسطينيي 48 حققت خلال العام المنصرم 2009 ارتفاعاً ملحوظاً فوصلت الى 17,5 في المئة من أصل 1,26 مليون نسمة، بفعل استمرار تراجع الهجرة اليهودية، بخلاف ما نشرته الوكالة الصهيونية قبل فترة. وتقترب المعطيات المذكورة من نظيرتها في العام 2008، ما يعمق أزمة الهجرة اليهودية الى اسرائيل. وبحسب المعطيات الصادرة عن الجهاز الإحصائي الإسرائيلي، فإن عدد سكان إسرائيل بلغ في العام 2009 نحو 7,5 مليون نسمة كما اشرنا، وأن نسبة العرب تساوي 20,3 في المئة، إلا أن هذه الإحصاءات تشمل الفلسطينيين في القدسالمحتلة، في حدود أقل بقليل من 250 ألف نسمة، وتشمل العرب السوريين في هضبة الجولان السورية المحتلة، وعددهم حوالى 21 ألف نسمة، وبالتالي فإن عدد سكان إسرائيل في مناطق 1948 بلغ 7,24 مليون نسمة، بينما بلغ تعداد فلسطينيي 48 حوالى 1,26 مليون نسمة، أي حوالى 17,5 في المئة من مجمل السكان. واقترب عدد اليهود إلى حوالى 6 ملايين نسمة، من بينهم حوالى 250 ألف نسمة ممن لا تعترف المؤسسة الدينية اليهودية بيهوديتهم، إضافة إلى 50 ألف نسمة هم أساساً من الأجانب من أبناء الديانة المسيحية، كانوا ضمن عائلات يهودية لدى هجرتهم إلى فلسطين في العقد الأخير من القرن الماضي، مثل أزواج وانسباء، استفادوا من قانون الهجرة اليهودية في شكل غير مباشر. كما كان آلاف من غير اليهود قد هاجروا من دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى إسرائيل خلال الفترة التي أعقبت انهيار المنظومة الاشتراكية منذ بداية عقد التسعينات من القرن المنصرم. واللافت أن ظاهرة الشيخوخة الزاحفة في المجتمع الإسرائيلي باتت تؤرق اصحاب القرار والمخططين الاستراتيجيين في إسرائيل؛ حيث لا يشكل الأطفال سوى 29 في المائة؛ في مقابل ذلك وصلت نسبة الشيوخ 65 سنة وما فوق من العمر إلى 10 في المائة من مجموع اليهود في إسرائيل. ولا يمكن الحد وتجاوز تلك الظاهرة من دون تهيئة الظروف من أجل جذب عدد كبير من يهود افريقيا واسيا نظراً لارتفاع نسب المواليد بينهم. والامر ليس بهذه السهولة كما يؤكد ذلك باحثون متخصصون نظراً الى ان عوامل دفع هؤلاء اليهود من بلدانهم الأصلية باتجاه اسرائيل غير ناضجة، ناهيك عن كون النسبة الكبرى من يهود العالم يتركزون في دول ذات جذب اقتصادي مرتفع مثل الولاياتالمتحدة حيث يصل مجموع اليهود فيها الى 5.5 مليون يهودي من اصل 13 مليون يهودي في العالم، ناهيك عن 550 الفاً في فرنسا و250 الف يهودي في كندا. وحتى لو استطاعت إسرائيل دفع الاف اليهود من تلك الدول إليها فذلك لن يعزز فكرة اتساع قاعدة الهرم السكاني التي تمثل الأطفال، بخاصة ان الخصوبة بين اليهود الاشكناز الذين يشكلون نحو اربعين في المئة من اليهود في اسرائيل لا تزال منخفضة ولا تتعدى مولودين للمرأة طيلة حياتها الانجابية مقارنة مع اكثر من خمسة مواليد للمرأة العربية. وتبعاً لذلك فان كافة الاحتمالات تشير الى عدم قدرة اصحاب القرار في اسرائيل الحد من تفاقم ظاهرة الشيخوخة التي تلاحق المجتمع الإسرائيلي، بخاصة وان لها أبعاداً متشعبة تتعدى القرار السياسي المباشر. * كاتب فلسطيني