خرج محمود الجوهري اشهر مدربي كرة القدم المصريين على الاطلاق من "نافذة" اتحاد الكرة الضيقة بشطحة من اقلام عدد من النقاد الذين "ذبحوه" بعد الخسارة المذلة امام السعودية 1-5 في بطولة القارات الصيف الماضي، ثم عاد اليه من "الباب" الواسع قبيل ايام من مدخل الربيع بضغط من اصحاب الاقلام ذاتها. وكما هو معروف، كان خروج مصر من كأس الامم الافريقية وضياع اللقب، الذي تحقق قبل عامين على يد الجوهري بالذات، القشة التي قصمت ظهر المدرب الفرنسي جيرار جيلي الذي قاد المنتخب فعلياً لمدة شهرين "لهف" خلالهما 300 الف دولار ما بين الراتب والمخصصات وبطاقات السفر و"الذي منه"... وهذه هي المرة الرابعة التي يقود فيها الجوهري المنتخب، وليست الاولى التي يستنجد فيها اتحاد اللعبة ب"الدكتاكورة" لانتشال سفينة الكرة المصرية وانقاذها من الغرق. و"الدكتاكورة" كلمة مختصرة لكلمتي "دكتاتور" و"كورة"، ولقب اطلقه الشارع الرياضي المصري على المدرب العتيد لأنه معروف بعناده وتسلطه. وقاد الجوهري بلاده في تصفيات كأس العالم 90، وصعد بها الى النهائىات بعد غياب دام 56 عاماً، لكنه ترك مهمته بعد العودة من ايطاليا بشهور قليلة بسبب خلافات مالية بينه وبين الاتحاد. ووقتها تعرضت الكرة المصرية لهزة عنيفة وتدهور حالها، فتم تكليفه مجدداً بقرار وزاري مغلف برغبة "رئاسية" دل عليها منحه وسام الرياضة من الطبقة الاولى. وعاد الجوهري لكنه لم يتمكن من اعادة البريق الى المنتخب، وخسر ودياً امام اليونان 1-6 قبل ان يخرج من الدور الاول من نهائيات الامم الافريقية عام 1992 في السنغال. وكان طبيعياً ان يتخلى "الدكتاكورة" عن منصبه، واعتكف في منزله قبل ان يتولى تدريب الزمالك في مفاجأة لم يكن يتوقعها اشد المقربين له. وفيما يبدو ان المناخ الكروي العام في تلك الآونة لم يعجبه، قرر الرحيل الى سلطنة عمان وعمل مديراً فنياً لمنتخبها. لكن الكرة في مصر واصلت تخبطها تحت اشراف الروماني رادوليسكو ثم الهولندي دي راوتر ومواطنه كرول ومحسن صالح قبل ان يتسلم محمود الخطيب وفاروق جعفر المهمة معاً من دون ان يتحسن حالها ابداً. وكالعادة لم يجد الاتحاد منقذاً سوى الجوهري... وفي هذه المرة احيطت عملية التعاقد معه بسرية غير مسبوقة، ففي الوقت الذي جدد سمير زاهر رئيس الاتحاد آنذاك الثقة بالثنائي "بيبو وروقة"، سافر سراً الى عمان للتفاوض مع المسؤولين للتنازل عن الجوهري. ووافق العمانيون لكنهم اشترطوا ان يبقى مدربهم شهراً في السلطنة لارتباطات مقبلة، ومارس الجوهري مهامه المزدوجة وصار اول مدرب في العالم يقود منتخبين لدولتين مختلفتين في آن. وقاد "الدكتاكورة" مصر الى انتصار غير متوقع عندما فازت بكأس الامم الافريقية في بوركينا فاسو عام 98، واستقبل استقبال الفاتحين بعد عودته الى القاهرة. لكنه عاد في عام 1999 من المكسيك بفضيحة فأجبر على الاستقالة. اوساط الكرة المصرية وعشاقها في كل مكان رحبوا بعودة الجوهري، ونحن معهم نرحب به شرط ألا يعود الى الاعتماد على الاسماء البراقة التي فشلت في تحسين صورة المنتخب بعد فضيحة المكسيك... اهلاً وسهلاً بالجوهري شرط ألا يعود الى اختيار "عواجيز الفرح" الذين اكل عليهم الدهر وشرب. الجميع يأملون بأن يحدث "الدكتاكورة" ثورة في اختياراته وأن يكون التغيير "شبه" الشامل هو الاساس الموضوعي والمنطقي لاختيار منتخب "شاب" يبذل كل لاعب فيه قصارى جهده من اجل اثبات ذاته وجدارته لحمل قميص المنتخب، واعادة البسمة الى جماهيره بعد ان فشل النجوم في تحقيق ذلك... اما حجة نقص الخبرة فلم يعد لها اي مكان لأن حماسة الجدد كفيلة بتعويضها.