الحرب غير ممكنة، والسلام محتمل، وليس محتوماً. ماذا يفعل العرب؟ أعلنوا، ويعلنون، بأن السلام خيار استراتيجي! وكيف يتقنون الابحار نحو هذا الهدف الاستراتيجي؟ يتضامنون ويصطفون خلف المفاوض العربي، في كل مسار من مسارات المفاوضات، يحمون ظهره، ويعبّدون له الطريق، ويقدمون له كأساً من الماء اذا جف ريقه، وبعضاً من الطعام اذا اشتد جوعه، وضرباً من الكلام اذا اهتزت معنوياته. هل هذا مطلب صعب؟ يجب ألا يكون الأمر كذلك. ربما كانت الأراضي العربية المحتلة، في الجولان وجنوب لبنان، هي الأراضي الوحيدة المحتلة في العالم. احتلال أراضي الآخرين بالقوة واستعمارها مذهب سياسي قديم، يوجد في كتب التاريخ ويحكي الأجداد للأحفاد عنه الحكايات، ولكن في أرض العرب لا تزال هذه الحفرية القديمة حية تمشي، وتأكل، وتلدغ. الأراضي العربية المحتلة تشكل الحد الأدنى المشروع الذي لا خلاف عليه، والخط العربي الأحمر الذي لا يمكن تخطيه، وفتات الكرامة العربية المتناثر الذي لا نقبل أن يداس. ومع ذلك اضطر مؤتمر وزراء الخارجية العرب المنعقد في بيروت لأن ينادي ويناشد ويطلب من "العرب" أن يعيدوا النظر في "التطبيع" بسبب الاعتداءات الاسرائيلية الجائرة على لبنان، فدعا الدول العربية التي تقيم علاقات مع اسرائيل الى اعادة النظر في هذا التطبيع. وتفضل وزراء الحارجية العرب بدعوة الدول التي تشارك في المحادثات المتعددة الأطراف الى "اعادة النظر" في هذه المشاركة، الى أن يتحقق تقدم ملموس على جميع المسارات. هذا، بحق، هو مؤتمر "اعادة النظر" أو الدعوة الى "اعادة النظر". وهو شيء يبعث على التفاؤل بعد مرحلة كف البصر أو غض النظر. كيف يمكن لدولة عربية أن تقيم علاقات دبيلوماسية، طبيعية أو غير طبيعية، مع دولة تحتل أراضي عربية، وتعتدي يومياً على بلد عربي، فتقصف المدنيين وتدمر البنية التحتية له، ويهدد وزير خارجيتها بقتل الأطفال والنساء؟ كيف يهرول مهرول، أو يتسكع متسكع، في "المنطقة الحمراء" من شارع السلام المبتذل، ونراه متأبطاً ذراعاً اسرائيلية؟ لأن هذه الدولة هي دولة اسرائيل، ولأن الراعي هو الولاياتالمتحدة الأميركية، الفتوة الوحيد في الحارة العالمية، ولأن المظلومين - وهم العرب - يتامي هذا الزمان البذيء، وبؤساؤه، حيارى، ومتناثرون، ومشغولون بهمومهم وأولوياتهم القطرية. العرب ديبلوماسيون جداً، يحسنون اختيار كلماتهم، ويراعون الحساسيات، ولا يريدون ازعاج التوازنات أو اثارة غضب ونقمة الفتوة الأميركي، أو "الأزعر" الاسرائيلي المدلل. اجتماع العرب في بيروت، ودعمهم مجتمعين للبنان وسورية حتى يسترجعا أراضيهما المحتلة، خطوة ايجابية في اتجاه صحيح، ويجب أن تكون بداية جادة وغير متراجعة نحو استراتيجية عربية تفاوضية على جميع المسارات العربية. نتمنى فقط لو لم يستعمل العرب "اعادة النظر" واستبدلوها بتحديق البصر.