قد يكون الاميركي الاسطورة محمد علي اكثر الملاكمين شهرة واكثرهم عشقاً عند العرب، لكن ما هو أكيد ان البريطاني الجنسية اليمني الاصل نسيم حميد يحتل مكاناً كبيراً في قلوب محبي رياضة الفن النبيل خصوصاً انه اثبت فعلاً انه اعظم ملاكم عرفته منافسات وزن الريشة. "البرنس" كان على موعد مع تحقيق انتصاره الرابع والثلاثين على التوالي، وجاء هذه المرة على حساب الجنوب افريقي فوياني بونغو الذي طُرح ارضاً اثر تلقيه لكمة يسارية ولا اقوى في الجولة الرابعة من المباراة التي جرت في قاعة اولمبيا في لندن امام نحو 13 الف متفرج. واحتفظ نسيم 26 عاماً بلقبه بطلاً للعالم تصنيف المنظمة العالمية للمرة الرابعة عشرة على التوالي، وحافظ على سجله خالياً من الهزائم منذ احترافه عام 1992. الحضور العربي كان لافتاً ومميزاً بالاناقة المعتدلة رجالاً ونساء... اما الباقون فقد حضر قسم كبير منهم في ثياب السهرة وكأنه آت الى حفلة في الاوبرا او الديسكو مع ملاحظة الاختلاف الشديد في نوعية الملابس الملائمة لكل مناسبة، في حين كانت الاغلبية ممن يمكن اطلاق عليهم، وفقاً لقاموس الشارع العربي الحديث "شباب الفانكي والهوت دووغ"، لكن الجميع باستثناء مئات قليلة، كانوا في صف البرنس. وارادها نسيم ان تكون ليلة من "الف ليلة وليلة"، فدخل الى القاعة "طائراً" على متن "بساط الريح" الذي حط به عند بداية الممر المؤدي الى الحلبة التي دخلها بطريقته "الاكروباتية" المعتادة. وفوقها، كان يحلو للبرنس سابقاً ان يردد عبارة "انا الاعظم" على غرار ما كان يفعل محمد علي... لكن هذه المرة هتف قبل اللقاء "الله اكبر... الله اكبر" ثم تلا الشهادتين. ولم يفته بعد اللقاء ان يهنىء العالم الاسلامي بقدوم عيد الاضحى في اشارة واضحة الى ان زيارته الاخيرة الى مكةالمكرمة قد اثمرت وغيرت كثيراً من طباعه. واذا اردنا ان نضع عنواناً رئيسياً للمباراة، فلن نجد ابلغ من قول المصريين "لم يأخذ في يده غلوة" لأن بونغو 33 عاماً لم يصمد طويلاً على رغم تاريخه الطويل... وخسارته امام البرنس كانت الاولى منذ 8 سنوات والثالثة في 40 مباراة، علماً بانه لم يسقط ابداً بالضربة القاضية. لكن الفارق كان واضحاً منذ اللحظة الاولى حيث بدا نسيم واثقاً وهادئاً، في حين شاب اداء خصمه التوتر والعصبية والاضطراب. ونجح البرنس بتحركاته الكثيرة والسريعة في ان يجهد بونغو بدنياً... وب"حركاته" المعهودة ونظراته الماكرة والمحيرة في ان يشتته ذهنياً. وضحك المتفرجون طويلاً عندما شاهدوا نسيم يرقص كجون ترافولتا ويلسع كالنحلة، في ظل ارتباك غير عادي من منافسه الذي لم يكن ابداً في مستوى السمعة التي سبقته الى لندن. وفي اول مناسبة تخلى فيها الجنوب افريقي عن تغطية وجهه، عالجه البطل بلكمة يسارية مفاجئة أسقطته ارضاً ولم يقم الا بعد ان عد الحكم "عشرة" وربما عشرين او ثلاثين. والى جانب الفوز استعاد البرنس بريقه الذي فقد منه الشيء الكثير اخيراً وفقاً لاراء بعض النقاد والعارفين ببواطن وخبايا كواليس اللعبة. وهو طبعاً لم يدع الفرصة تفوت من دون ان يرد عليهم: "الانتقادات التي تعرضت لها اخيراً لم تعن لي شيئاً لانني كنت واثقاً تماماً في قدراتي. اعتقد ان العرض الذي قدمته واعتبره الافضل حتى الان قد رد عليهم، بل وأوكد انه اعادهم الى صفي". واضاف: "لقد فعلت بخصمي القوي وب"تاريخه" ما لم يفعله به احد من قبل، لقد كانت الضربة القاضية مركزة وقوية ما افقده الوعي فترة طويلة... احمد الله على هذا الانتصار الكبير الذي كلل جهودي وجهود كل من يعمل معي". اما بونغو فلم يعرف ماذا يقول بعد الهزيمة، ووجد في البكاء ملاذاً مريحاً للهروب من مواجهة الحقيقة. خلاصة القول، ان نسيم طوق اعناق جميع محبيه بفوز باهر جديد... وحمل لهم باكراً بهجة العيد... افرحهم واطربهم والبس صباياهم ثوب زفاف ابيض ميموناً، واعداً اياهم بانتصار جديد في المستقبل القريب.