يتبارى المرشحون للرئاسة الاميركية، منذ بدأ سباق الترشيحات في الولايات المختلفة، في التودد الى الناخبين اليهود وهم قدّموا وعوداً وضمانات لا تحصى لكسب دعم الجماعات اليهودية حتى بات الموقف من اسرائيل ام القضايا في الحملة من اجل الحصول على ترشيح الحزبين الديموقراطي والجمهوري. حتى استطلاعات الرأي التي تقوم بها صحف ومعاهد متخصصة اظهرت ان إبرة الميزان في السباق الانتخابي هو موقف المرشحين من اسرائيل. اما القضايا الداخلية الاميركية وعناوين السياسة الدولية الاخرى خارج الشرق الاوسط فتكاد تكون بلا تأثير في معركة الترشيحات. بعض هذه الاستطلاعات اظهر مثلاً ان اليهود الاميركيين يفضلون آل غور لأنه من أشد المناصرين لاسرائيل ولا يفضلون جورج بوش الابن لأن منافسه الجمهوري جون ماكين اكثر اندفاعاً منه في تأييد الدولة العبرية. اللافت في سباق الترشيحات هذا العام ان المتسابقين لم يولوا اهتماماً لأي شيء تقريباً عدا استرضاء اللوبيات اليهودية، فهم حرصوا على زيارة المتحاف والمعالم اليهودية في جميع المدن التي انتقلوا اليها، وعقدوا اجتماعات مكثفة مع الجماعات الدينية اليهودية ومراكز الضغط المالية والسياسية، وأغدقوا الوعود بضمان التفوق الأبدي لاسرائيل على العرب وربما على الولاياتالمتحدة ايضاً، لانهم ادركوا ان كسب الصوت اليهودي هو الكفيل وحده بفتح الطريق امامهم الى البيت الابيض… على سجاد احمر. ولسائل ان يسأل اين استقلال الولاياتالمتحدة؟ اين حرية قرارها اين سيادتها في كل هذا؟ ينبغي البحث طويلاً في خطابات المرشحين للرئاسة كي نعثر على الخيط الفاصل بين الدفاع المستميت عن مصالح اسرائيل وخدمة المصالح العليا للولايات المتحدة. ربما ما يصدم العرب في مجريات السباق الانتخابي الدائر في اميركا حالياً هو ان الحرص على تقديم دلائل الولاء لاسرائيل بات مكشوفاً ومكثفاً اكثر من اي وقت مضى. صحيح ان الواقعية تقتضي من اي مرشح نبيه فهم آلية اتخاذ القرار وكسب التأييد من القوى المؤثرة في صنعه وتالياً القادرة على صنع الرؤساء، إلا أن هذه البراغماتية المنفلتة منحت في نهاية المطاف اللوبيات اليهودية حقاً مطلقاً في انتقاء المرشح للفوز بكرسي الرئاسة، واستطراداً املاءه على الناخب الاميركي وتتويجه رئيساً للعالم، حتى لم يبق من هامش للمرشحين يعبرون من خلاله عن خياراتهم الخاصة عدا الاختيار بين ان يكونوا من الليكود او من حزب العمل! احياناً يخال المتابع لمعارك المرشحين للرئاسة الاميركية وحملاتهم الانتخابية انهم مرشحون لرئاسة اسرائيل وليسوا مرشحين لرئاسة اميركا. بهذا المعنى يمكن القول ان انزلاق القرار السياسي في الولاياتالمتحدة الى قبضة اللوبيات اليهودية لا يشكل قضية عربية فقط، وانما يهم جميع البلدان التي تتعرض لضغوط اليهود واملاءاتهم، فهو يهمّ ايران بمقدار ما يهمّ فرنسا ويهمّ الصين مثلماً يهمّ اميركا اللاتينية. ويمكن القول ان هذا الواقع الجديد اتى نتيجة عمل دؤوب ومنظم للجماعات اليهودية منذ القرن الماضي وما لم يفكّر الآخرون بالنسج على منوالها تدريجاً، وصولاً الى إحلال التوازن في آليات صنع القرار الاميركي، وتالياً صنع الرؤساء، فإن القرار الدولي سيبقى بين اصابع الجماعات اليهودية.