أدلى رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية جورج تينيت، قبل خمسة أيام، بشهادة أمام لجنة فرعية في مجلس الشيوخ. وكان الهدف منها استعراض ما تراه وكالته تهديدات ومخاطر تواجه المصالح الأميركية في السنوات المقبلة. وكان للشرق الأوسط مكان مميز في حديث تينيت. ولكن قبل قول كلمة عن ذلك تجدر الإشارة الى أن الرجل قدم استعراضاً للوضع في روسيا واحتمالاته عشية الانتخابات الرئاسية. ولقد اعتبر أن يفغيني بريماكوف هو في أفضل موقع لمنافسة فلاديمير بوتين على هذا المنصب. وفي اليوم التالي، بالضبط، أعلن بريماكوف أنه يتنحى عن خوض المعركة! يمكن الاستناد الى هذه الواقعة من أجل التشكيك بمعلومات تينيت من دون انكار أنه كان، ربما، قليل الحظ. ولكن، في المقابل، يجب التأكيد أن حظه كبير قياساً بمن سبقه في المنصب نفسه. فلقد مرّ وقت كان على مسؤولي السي.آي.اي أن يحتاطوا كثيراً باعتبار أن التحدي المرمي عليهم لا يقل عن رصد معسكر يمكن له، بكبسة زر، أن يلغي الولاياتالمتحدة من الوجود. لقد تغيرت الأيام. ولذا فإن متابعة ما يقوله تينيت عن التهديدات والمخاطر يمكن أن تثير السخرية إذا نظرنا اليها من موقع القوة الراهن الذي تحتله أميركا. إذ كرر المسؤول الأمني ما قاله سابقاً عن العناوين الأربعة للمخاطر الداهمة: انتشار أسلحة الدمار الشامل، الإرهاب، المخدرات، الجريمة الدولية المنظمة. وسمّى دولاً هي كوريا وايرانوالعراق تهدد المصالح والقوات الأميركية خارج الحدود وقادرة في خلال سنوات أو عقد على تهديد الأرض الوطنية. ومنع الخجل تينيت من تعظيم هذه المخاطر وان كان لم يمنعه من ذكرها وتجاهل دور العقوبات على العراق، والاتفاق مع كوريا، والتطورات الداخلية في ايران، واثر ذلك كله في امتصاص هذه "المخاطر". أضاف رئيس الاستخبارات جديداً الى شهادته. وهذا الجديد شرعت الإدارة تهتم به منذ سنوات. وهي تطلق عليه اسم "حرب المعلومات" ومؤداه ان الولاياتالمتحدة تزداد اعتماداً على وسائل الاتصال في اقتصادها وجيشها وتنظيمها لحياتها العامة حيث يزداد الخطر من اقدام عدو، حتى لو كان فرداً، على تدخل تخريبي في هذا المجال. والمعروف أن الولاياتالمتحدة ترصد البلايين لمواجهة "ارهاب معلوماتي" محتمل. والملاحظ أن الهذيان الأمني أصاب جورج تينيت. ودفعه الى أن يشير الى أن أحد مصادر الخطر هو المواد ذات الاستخدام المزدوج والى تسمية اللقاحات بصفتها سلعة يجب أن تخضع للمراقبة. وفي معرض حديثه عن منظمات مثل "حزب الله" و"حماس" و"أبو نضال" و"القاعدة" حذر من ازدياد استخدامها للكومبيوترات والبريد الإلكتروني، مؤكداً أن ذلك يضر بالمصالح الوطنية الأميركية! أقرّ تينيت بأن بلاده تملك "جاذبية خاصة تجعلها هدفاً" ولم يسأل نفسه، طبعاً، عن أسباب ذلك واكتفى بالدعوة الى زيادة الحذر واعتبار كل متلقٍّ للقاح أو كل مالك لكومبيوتر موضع شبهة! ... بالمناسبة، أكد تينيت في شهادته أن لبنان واليمن يشكلان، مع دول أخرى، "مراكز عمليات" لما أسماه "التطرف الإسلامي السني" الموجه ضد الولاياتالمتحدة الأميركية. هل طلبت بيروت أو صنعاء تفسيراً من الإدارة لهذه التهمة