لا تزال المذكرة التي وجهها زعيم جماعة العدل والاحسان المحظورة الشيخ عبدالسلام ياسين الى العاهل المغربي الملك محمد السادس يدعوه فيها الى استخدام ثروة والده لتسديد ديون المغرب، تتفاعل بين الأحزاب المغربية. وفي حين رأى حزب التقدم والاشتراكية ان المذكرة تدل على "انعدام الحس السياسي" للشيخ ياسين، وقال زعيم الحركة الوطنية الشعبية المحجوبي أحرضان ان الزعيم الاسلامي "تجاوز الحدود"، دافعت جماعة "العدل والاحسان" عن زعيمها ودعت الى قراءة مذكرته قراءة أخرى. انتقد زعيم سياسي مغربي اسلوب جماعة "العدل والاحسان" المحظورة في التعاطي مع الشأن العام في المغرب. وقال ان زعماءها "يفتقدون الذكاء السياسي". وأوضح السيد خالد الناصري، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية الشيوعي سابقاً ان مناسبات عدة أبرزت ان زعيم الجماعة الشيخ عبدالسلام ياسين الموجود قيد الاقامة الجبرية "سياسي من مستوى متواضع". وأضاف في مقابلة مع "الحياة" ان رسائل ياسين الموجهة الى الدوائر العليا في البلاد تُبرز في شكل جلي ان الشخص "ينعدم لديه الحس السياسي اللهم إلا إذا كان يعتقد ان الاستفزاز نهج سياسي. وحتى في هذه الحال فإن هذا التصرف لا يرفع من مستواه السياسي". وقال الناصري ان الداعية الاسلامي "يتعمد نهج اسلوب استفزازي يخرج عن المألوف في التعامل السياسي في المغرب"، في اشارة الى المذكرة الأخيرة التي وجهها "الى من يهمه الأمر" العاهل المغربي الملك محمد السادس. ورأى المسؤول التقدمي ان المذكرة "تدخل ضمن توجه مقصود كان صاحبه يتوقع ردود فعل تحرر وضعه". بيد أنه أضاف ان السلطات المغربية "برهنت عن حكمة سياسية بارعة عندما تحاشت الرد عليه". واعتبر الناصري ان الرسالة تترجم "الاحباط الذي يشعر به الشيخ ياسين خاصة وان التحرك السياسي والاصلاحات الكبرى شُرع فيها في غيابه"، في اشارة الى جولات الملك محمد السادس عبر مناطق مختلفة من البلاد وسنّه سياسة ل"مقاومة الفقر" في البلاد. وقال الناصري ان الشيخ عبدالسلام ياسين كان يسعى من خلال مذكرته الى "خلق الحدث". وأضاف: "لو كان الشيخ ياسين يرغب في رفع الاقامة عنه لما أصدر الرسالة الاستفزازية وهو يعلم أنها تجعله يتابع قضائياً بحسب القانون الجنائي". وسئل الناصري عن عدم رد الأحزاب السياسية المغربية عما جاء في المذكرة، فقال ان حزب التقدم والاشتراكية الذي ينتسب اليه كان أول من رد على المذكرة. وقال ان الرسالة التي وجهها السيد المحجوبي أحرضان، أمين حزب الحركة الوطنية الشعبية ذات النزعة الامازيغية، الى الشيخ ياسين، تنم عن "شجاعة وتبرهن عن استنكار هذا الأسلوب رسالة ياسين الذي ينم عن قصر نظر في الابعاد السياسية". وتوقع المسؤول الحزبي "ان يربك موقف أحرضان الشيخ ياسين كونه لم يكن يتوقع ان يتخذ قادة سياسيون، في الموقع السياسي والفكري لاحرضان، مثل ذلك الموقف". وعن عدم رد أحزاب الكتلة التي تشكل الائتلاف الحكومي على المذكرة، قال الناصري ان الكتلة تعتبر ان "من غير المجدي السقوط في ردود فعل متعاظمة تحقق هدف الجماعة العدل والاحسان من خلال النفخ في العملية". لكنه أضاف ان "الاستهانة الاعلامية لا تعني ان هناك استهانة سياسية". وقال ان أفضل اسلوب للرد على مذكرة الشيخ ياسين يكمن في احتلال الهيئات السياسية المغربية الساحة واتخاذ الاجراءات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المطلوبة، معتبراً ان الصراع الحقيقي مع التيار الاسلامي يكون "في الساحة، سواء من خلال مقارعة الفكرة بالفكرة أو التواجد الفعلي". وقال ان المذكرة رسالة الى "الفاعلين السياسيين" الذين أصبحوا "مدعوين الى معاودة النظر في طريقة تعاطيهم مع الساحة الاجتماعية". وقال ان من حسنات المذكرة انها "ستعمل على ايقاظ القوى السياسية من سُباتها ومن راحة الضمير وتنبه الى ان هناك قوى ميالة الى ملء الفراغ". وعن تأكيدات مسؤولي الجماعة الاسلامية بأن "العدل والاحسان" غير ميالة للعنف، قال الناصري انه يجب التمييز بين العنف والاستفزاز. وأضاف ان الحركات الاسلامية في المغرب تصرح كلما أتيحت لها الفرصة بأنها ترفض العنف في شكل ممنهج و"نحن نسجل ذلك ونتمنى ان تكون صادقة". بيد أنه أشار الى أن تصرف جماعة العدل والاحسان يشير الى تناقض في الخطاب الذي تروج له "بين الدعوة الى المهادنة والحوار والقيام بأمور استفزازية في حق الثوابت التي تعمل على أساسها الساحة الاجتماعية المغربية". اما السيد فتح الله ارسلان، الناطق باسم جماعة العدل والاحسان، فقال من جهته ان الجماعة تلقت ردود فعل مختلفة على مذكرة الشيخ ياسين "الى من يهمه الأمر". بيد أنه أضاف ان بعض هذه الردود كان "متشنجاً وهجومياً ولم يناقش مضمون المذكرة وظل يحوم حول أمور مفتعلة لم تشر اليها المذكرة". وسئل ارسلان في مقابلة مع "الحياة": ألم تكن الجماعة الاسلامية هي السباقة الى الاستفزاز؟ فأجاب: "من قرأ المذكرة بتجرد لا يصل الى هذه النتيجة. نحن ندعو الى تجاوز مشاكل أساسية والى التضامن ونقترح حلولاً". وأشار الى أن الجماعة ليست لديها مشكلة خاصة مع الأشخاص و"انما مشكلتنا مع الأفعال والممارسات التي كانت ويجب أن تبقى محل نقاش". وقال المسؤول الاسلامي ان المذكرة "لم توجه الى شخص بعينه وانما الى مجموعة من الممارسات واللوبيات الرافضة المضي في الاصلاح". وسئل عن توقيت المذكرة التي جاءت عشية الحديث عن إمكان رفع الاقامة الجبرية عن الشيخ ياسين وهل تعمدت الجماعة ذلك لاستمرار فرض الاقامة عليه، فأجاب "ان من فهم المذكرة لا يمكن إلا أن يقول غير ذلك". وأوضح ان المذكرة تدعو الى الاصلاح وتحدد الطرق الواجب اتباعها لذلك. وعن الاتهامات الموجهة الى جماعة "العدل والاحسان" بتلقي دعم مالي من جهات أجنبية، قال ان "تمويل الجماعة يتم من جيوبها". وأكد ان من ضمن مبادئ الجماعة عدم التعاون مع الجهات الأجنبية. بيد أنه أشار الى أن الجماعة يمكنها التنسيق مع جهات اسلامية في حال إقرار المشروع الاسلامي. وأضاف: "نحن نطرح البديل الاسلامي على مستوى البلدان الاسلامية والعربية. ويجب ان يكون هناك تنسيق بين الاخوة في الجزائر وبلدان أخرى". وقال ان التنسيق يكون "بعد تبني الأقطار المشروع الاسلامي. وكل قطر يتبناه ينسّق مع القطر الآخر". وعن مدى استعداد الجماعة الاسلامية للعمل في صورة شرعية لا تزال محظورة حالياً، قال ارسلان ان الاجراءات كافة "اتخذت من جانبنا ووضعنا كل الوثائق للعمل المشروع. لكن السلطات لم تستجب بعد طلبنا". وسئل عن رد الجماعة على رسالة المحجوبي أحرضان، فأجاب بأن رأي الأخير "يلزمه ولا يمثل موقف التيار الأمازيغي". وأضاف انه لا يوجد نزاع بين الحركتين الامازيغية والاسلامية و"علاقتنا مع كل التيارات الأمازيغية طيبة. لكن مشكلنا مع من يتبنى موقفاً هجومياً ضدنا". وأشار ارسلان الى أن أكثر من سبعين في المئة من أعضاء جماعة العدل والاحسان امازيغيون "ولا مشاكل لدينا مع الأمازيغ".