يطلّ فؤاد نعيم كرسام في معرض فرديّ ثانٍ مرسّخاً تجربته التي طالما زاولها قبل سنوات بالسرّ وربما على طريقة الهواة. والآن بعد تلك السنوات أصبح المخرج والممثل والشاعر رساماً محترفاً وبات يكبّ على اللوحة والألوان يومياً جاعلاً منها فسحة حريّة ومتنفساً بل ملاذاً يهرب عبره من صخب المجتمع وضوضاء الإعلام الذي يحتلّ جزءاً من حياته المهنية. ومعرض فؤاد نعيم الجديد في غاليري ايبروف دارتيست يضمّ أحدث أعماله وهي تتخطى الأربعين لوحة. وعبرها يواصل بحثه المستميت عن لغة تجريدية - تشكيلية تختلف عن بقية المدارس المعروفة وتستمدّ خصوصيّتها من البعد التجريبيّ الحرّ الذي يسعى الرسام اليه. فالرسام الذي يرسم بحرّية بعيداً عن أسر الأكاديمية يحاول أن يجعل من الرسم مادة تعبيرية بامتياز يحمّلها الكثير من أفكاره ورؤاه ونظرته الى التاريخ والعناصر والحياة عموماً. وإذ يتقن الرسام لغته ويرسّخها انطلاقاً من قواعد خاصة يشعر المشاهد حيال لوحته أنّه أمام فنّ طالع من ذاكرة التاريخ والكون أكثر مما هو طالع من تاريخ الفن التشكيلي. فالرموز والإشارات التي تحتل مساحات اللوحات و"سطوحها" ترجع الى التاريخ الحضاري القديم وخصوصاً الى اللغات البدائية وإلى الكتابات القديمة التي كانت ترمز وتدلّ وتشير عبر أشكال متعددة وليس من خلال الأصوات أو الأصداء. يصبح الرسام هنا مختلق رموز واشارات. فالإبداع هو فنّ اختلاق، لغة أنطولوجية لا تهدف الى التواصل فقط والى محاورة الآخر بل تهدف ايضاً الى تفجير الذات والهواجس والأحلام والرؤى والى تكوين أشكال ليست إلا تعابير قائمة بذاتها. فالشكل هنا لا ينفصم عن مضمونه. والدلالة تندمج في مدلولها والنسيج اللوني القاتم والمضيء، هو نسيج العين والمخيلة، اليد والألوان، نسيج الريشة التي تحفر في المادّة والروح على السواء.