شكّل الحجاب تيمة محورية لعدد كبير من فنانات العالم العربي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من المضامين الشائكة التي ظهرت في فنون المعاصرة، نظراً إلى التجارب التي وضعت المرأة المحجبة في سياق اجتماعي- بسيكولوجي، ضمن إطار نمطي يحيل إلى تراكمات من الأسئلة حول ماهية الحجاب ودوره في المجتمعات الإسلامية، ما بين الموروث الديني ومظاهر التحرر. ومعرض الفنانة مايا حيدر في «غاليري زمان» ، يعطي بعداً تشكيلياً جديداً لعلاقة المرأة بالحجاب، من خلال مجموعة من 22 لوحة (أكريليك ومواد مختلفة)، تدور في فلك التجربة الشخصية التي عبّرت فيها عن نظرة المجتمع إلى الشكل الخارجي للمرأة وليس إلى مضمونها الفكري، وهي نظرة قاصرة من شأنها أن تحيل إلى تعارض قوي ومؤطر وظالم، لاسيما حين تتهم المرأة المحجبة بالانغلاق والتزمت، ولعلها تحكم أيضاً على المرأة المتحررة في شكلها ولباسها بالتفلت والاستهتار. والحكم في كلتا الحالتين لا ينم عن فهم عميق واحترام لحرية المرأة ومبتغاها من الحجاب أو السفور، بمقدار ما يقدم صورة نمطية مشوهة عما يمكن أن تقدمه المرأة المحجبة على وجه الخصوص كعنصر فاعل ومنتج في المجتمع. يشكل المعرض الإطلالة الأولى لرسامة من الرعيل الجديد، فهي من خريجات معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، ونالت شهادة الماجيستر من الأكاديمية اللبنانية - الألبا في الفنون البصرية، ما منحها خبرة ومراساً في إضفاء عنصر التوليف على مشهدية اللوحة، ضمن سياق جمالي، ظهر على طريقة التكوين والوظائف المعطاة للأشكال الكتلوية والعناصر الموزعة في فضاء لوني براق يقوم على الألوان المخففة بتدرجاتها الشفافة المندمجة مع أوراق الذهب والنسيج. وإن ظهر التعارض اللوني قوياً في بعض المواضع فهو من اجل أن يعزز المضمون الإنساني وأغراضه ونوازعه. من صورة ذاتية للرسامة تنبثق صور عدة تغيب فيها هيئات الوجوه وتحضر، وذلك من مقتربات تتنوع بين شيء من الإبهام واللبس والتناقض بين القريب والبعيد والتقاطع والتغطية المتعمّدة للقامات بالأقمشة. هكذا تجمع الأعمال في طروحاتها التشكيلية ما بين الرؤى التعبيرية وهواجس البحث عن تكوين عمل فني جديد ينسجم مع خصوصية توجهات الرسامة وأفكارها وتجاربها، لذا تبدو العلاقات ما بين الرسم الغرافيكي والتلوين والتلصيق متشابكة ومتواشجة، على النحو الذي يظهر فيه عالم المكان الافتراضي، على انه عالم الحجرة أو فضاء المدينة. ما بين التحليل ورؤية التفاصيل والدلالات المجردة واندماج العمل في فرديته بشيء من الخيال الروائي، يتبدى جوٌ تسوده المشاعر والنظرات الفارغة للعينين، أمام مرآة النفس. لكأن عين الكائن أداة النور ومرآة الواقع وهي المجال الذي تكشف الحياة فيه عن نفسها وصيرورتها. فأعمال مايا حيدر تتخطى بصورة إجمالية الواقع المباشر، كي تنتقل إلى رموزه ما بين التطابق واللاإندماج بالمعنى الاجتماعي. فالأشكال الإنسانية ما إن تستقر حتى تنتقل من جيل إلى جيل، ومن طبيعة محافظة مغرقة في الوقار إلى مغزى الجسد المغطى بالوشم وهو يتراقص على وقع الموسيقى. لكأن الحركة تنبري من قلب السكون، وترتسم علامات التعجب أكثر فأكثر في فضاء، مساحاته متداخلة من سبيل التناقض. وهو تداخل يدمج هواجس المرأة وتطلعاتها ونزواتها، بالنسيج الزخرفي وتنويعاته، كنسيج الأقمشة التي تحولت إلى أحجبة وأسئلة مصيرية تتعلق بحرية المرأة وسلوكها وخياراتها وأحياناً بمصدر معاناتها واضطهادها. فالحجاب في اللوحة لم يعد الشكل الظاهري لموروث التقاليد الإسلامية والشرقية، وإنما أضحى لغة لا تنفصل عن لعبة التكوين التي تعبّر عن العزلة التي وضعها المجتمع للمرأة ورسم لها الإطار مسبقاً. ذلك ما ينعكس على اللوحة، التي يكتنفها صراع خفي تحت السطح الناعم للألوان، شبيهاً بحركة مضادة ثائرة مصدرها اللون والضوء وشيء من بقايا الوجود وقضبان الأسر. لا تسعى مايا حيدر لكي تصدم المشاهد، بل تدفعه إلى مزيد من البحث عن جدوى وجود الأطر الداخلية التي تحوط وجه المرأة، وتدعوه إلى تلمّس قضية إنسانية بما تحمله من آثار جروح.