من أسوأ اللحظات التي تمر بالفنان هي لحظات الإحساس بمسير السنين وبداية انحسار النجاح. وعندما ظهر جيل هنيدي وعلاء ولي الدين في أفق السينما المصرية بدأ هذا الإحساس يتسرب بالتأكيد إلى عادل إمام، فاتجه إلى مراجعة نفسه تجاه ما يقدمه على الشاشة من أفلام. المراجعة ولا شك فعل إيجابي، لكن النتائج للأسف لم تكن إيجابية مطلقاً بل كانت مريرة وتمثلت خلال العامين المنصرمين في فيلمي "الواد محروس بتاع الوزير"، و"هاللو أميركا". لماذا إذن زج عادل بنفسه في هذا السياق المحموم وهو الذي تربع بمفرده على عرش شباك التذاكر لسنوات طويلة؟ هناك عوامل عدة تفرضها الحتمية التاريخية، وظروف أفرزها المناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في مصر التسعينات أدت إلى العديد من التغيرات. كل هذا لم ينظر إليه عادل، وظل نظره معلقاً بالقمة التي فقدها من واقع الأرقام وإيرادات الأفلام وهو في كل الأحوال صراع وهمي لكنه يمثل الكثير بالنسبة لكل منهم ولم يستطع التعامل مع هذه المرحلة. لم يختر أدواراً تناسبه، وبالتالي لم يتجاوز أزمته بل ظل يتخبط محاولاً التشبث بأظافره في صخرة القمة الهشة. لكن لماذا ينساق عادل إمام ولا يكون أكثر تحكماً على رغم ثقتنا في ذكائه؟ هل المشكلة تكمن في بريق النجومية؟ أم في تقدم العمر؟ لم تكن السطور السابقة مقدمة طويلة قبل الحديث عن فيلم "هاللو اميركا"، بل على العكس هي محاولة للدخول في لب الموضوع. صنع فيلم يجذب أكبر قدر من الجمهور على رغم أنف الفيلم وأنف الجمهور ! معادلة شديدة الغرابة ولكن هذا ما حدث في "هاللو أميركا" الذي كتبه لينين الرملي ويعد بمثابة جزء ثالث لفيلمي "بخيت وعديلة"، و"بخيت وعديلة 2" الذي سمي أيضاً باسم "الجردل والكنكة"، هذان الفيلمان حققا قدراً من النجاح الجماهيري، بل وشارك فيهما هنيدي، كما شارك علاء ولي الدين في الجزء الثاني. ولكن ليس من المؤكد تكلل محاولة استثمار النجاح السابق بالنجاح. في "هاللو اميركا" نفس الشخصيتين الرئيسيتين.. بخيت الميهاطل عادل إمام، عديلة صندوق شيرين، ولكن هذه المرة انتقلت مغامرتهما الى أميركا لتكون أكثر جذباً، ولم لا وهنيدي ذهب إلى هولندا في "همام في امستردام"؟ وكما جاء الجزءان الأولان مفرغين من المضمون، ويتمتعان ببناء مفتت ممطوط معتمد على المواقف المفتعلة والأفيهات اللفظية والأداء المسرحي، لم يخرج "هاللو أميركا" عن إطار سابقيه. بل جاء تكثيفاً وتتويجاً لهما. ان فكرة الحلم الاميركي قد تم طرحها في عدد من الأفلام المصرية منها "أرض الأحلام" لداود عبدالسيد، و"أميركا شيكابيكا" لخيري بشارة، وهنا في "هاللو اميركا" الشريط جد مختلف ليس فقط لأنه الوحيد الذي تم تصويره في اميركا من هذه الأفلام، ولكن لأن المعالجة والزاوية التي ينظر منها للأحداث اتسمت بالسطحية. ليس لأنها كوميدية بالطبع ولكن لأنها اتسمت بالعمومية لدرجة تقترب من مانشيتات الصحف أو أحاديث المقاهي مما ينطوي في ذلك على إغفال طبيعة الوسيط السينمائي الذي ينحو نحو التخصيص وسرد التفاصيل التي تقنع المشاهد بمقولة الفيلم "وهم الحلم الأميركي وزيفه". ومع غياب هذه التفاصيل ظلت المواقف العامة هي السائدة، تتأرجح نحو الفانتازيا تارة والواقع تارة أخرى. فالبطلان، منذ وصولهما الى أميركا يتعرضان للاعتقال ويقبض عليهما البوليس أكثر من مرة. ويتعرضان أيضاً لجفاء ابن العم نوفل أسامة عباس وزوجته ايناس مكي، بل وحينما يصلان إلى منزل نوفل يتعرضان للابتزاز على يد زوجته وابنائه عن طريق ابداء إعجابهما بأشيائهما الشخصية فيتنازل بخيت وعديلة لهم عنها عن طيب خاطر صدق أو لا تصدق؟، وسرعان ما يعملان لدى الأسرة كخادمين من اجل الحصول على مقابل مادي. إذن من البداية والفيلم يحاول أن يفرض مقولته على الجمهور ولا يقنعه به، يقول لجمهور: انظر ماذا حدث للرجل المصري الطيب نوفل عندما عاش في أميركا وتزوج من أميركية. لكن ما هي المبررات التي يسوقها الفيلم لكي يقنع مشاهده بأي شيء؟ البطل الطيب بخيت يواجه الأشرار في أميركا ويتعرض لسرقة نقوده بالإكراه، ولأنه عبيط يقوم بإعطائهم مزيداً من النقود موزعة على جيوبه المختلفة؟ ولم لا وخصوصاً أن اسم عائلة البطل الميهاطل وهي تشتق لغوياً من أهطل، ولكن كيف يطالبني كاتب السيناريو أن أتعاطف مع بطل عبيط؟ عبيط لكنه طيب القلب نقي أوصلته سذاجته الى دخول الكونغرس وترشيح نفسه لرئاسة أميركا على رغم أنه لا يملك أدنى المقومات لتحقيق ذلك، هو الذي يرغب في زيارة الامبريالية متخيلاً أنها شخص يحمل هذا الاسم؟ العزف على نغمة الأخلاق والقيم هي لعبة شديدة القدم. في هاللو أميركا تأخذ منحى آخر لكنه شديد الخطورة، ليس لأنه يتناقض مع سلوك الشخصيتين فقط بل لأنه كاذب. في أحد المشاهد يتشاجر بخيت مع صديق الابنة لأنه دخل حجرتها وقبّلها مما أدى لثورة الزوجة الأميركية دفاعاً عن حرية ابنتها. بينما نرى طوال الأجزاء / الأفلام الثلاثة بخيت يحيا مع عديلة حياة الأزواج دون زواج. في المشهد التالي نرى بخيت يعلّم الطفل الصغير اللغة العربية، وتحديداً كلمتي شهامة ونخوة، ويعد هذا المشهد أكثر مشاهد الفيلم كذباً أو إدعاء. ولأن الفيلم بهذه الهشاشة فبدت الكثير من مشاهده أقرب إلى أفلام الرسوم المتحركة. وفي مشهد الاعتداء المسلح بالرصاص في السوبر ماركت يعود بخيت دون خدش وهو يشعر ببعض الآلام في جسده مثلما يحدث لشخصيات الكرتون الشهيرة توم وجيري. وفي النصف الثاني من أحداث الفيلم تشتعل مغامرات بخيت الذي يتعرض لحادث سيارة بسيط فيدفعه نوفل إلى رفع قضية تعويض ضد الفتاة صاحبة السيارة وهي ابنة جاكسون مرشح الرئاسة مما يشكل ضغطاً إعلامياً على جاكسون ويعرضه لاحتمال الهزيمة في الانتخابات. عشرات المشاهد للتفاوض على قيمة التعويض، وهل سيتنازل عن القضية أم لا؟ واهتمام إعلامي دولي ببخيت الذي اصبح شخصية شهيرة في عالم السياسة؟ مع وجود خط يمثل المتطرفين الدينيين في اميركا وبالطبع يتورط معهم بخيت والآن يطالب زعيمهم بمبلغ كتبرع، وكذلك أقباط المهجر، والزوجة الاميركية التي تتزوجه ليحصل على الإقامة. ووسط مطامع ابن العم والمحامي في الحصول على نسبة من التعويض يجد بخيت نفسه مديوناً بما يزيد عن قيمة التعويض، فيخطف حقيبة نقود يجري بها ومعه عديلة بفستان الزفاف، يطارده الجميع فيلقي لهم برزم النقود فيتصارعون عليها، بينما أرتاح بخيت من هذا الهم وتخلص من أميركا التي وصفها في أول الفيلم بأن "أميركا دي شنطة فلوس" وعاد مفلساً كعادته في أجزاء الفيلم السابقة. بالطبع سيعود إلى مصر ليبحث عن ملايين عدة أخرى ليلقي بها من جديد كمبرر لصنع جزء رابع أو خامس من الفيلم. من الظلم أن نتحدث عن العناصر الفنية في الفيلم والتي وجهت نحو تكريس صورة بخيت أو صورة عادل إمام، ولكن من الظلم أيضاً ألا نشير الى صورة محسن أحمد الذي صنع صورة جميلة بعيدة عن الدراما لعدم وجودها لا لعيب فيه، وينبغي أيضاً أن نشير إلى موهبة ومجهودات مهندس الديكور الشاب عادل المغربي في بناء ديكور المشاهد الداخلية لأميركا الفيلا/ المكاتب والتي أوحت لنا بالجو العام هناك ولم نشعر بالانفصال. وبالطبع ترتبط دقة الربط بحرفية المخرج نادر جلال ولكنها حرفية مجردة مرتبطة بصنع فيلم جيد التقفيل بغض النظر عن السيناريو أو كون الفيلم بطولة نادية الجندي أو عادل إمام، سواء كان الفيلم بخيت 1، بحيت 2، أو هاللو أميركا. فالفروق منعدمة، وعلى المشاهد أن يحتمل وعلينا أن نتساءل.. ماذا يريد بخيت؟ وماذا يريد لينين الرملي؟ أو بالأحرى ماذا يريد عادل إمام؟ هل أراد أن يصنع فيلماً لتسلية الأطفال؟ أعتقد أنه إذا أراد أن يفعل ذلك فلن ينازعه أحد في هذا الحق. ولكن في هذه الحالة عليه أن ينقيه من الافيهات والشوائب الجنسية، ويذيل أفيشات فيلمه بعبارة للأطفال فقط. لكن إذا أراد أن يحافظ على شعبيته فينبغي أن يعيد النظر في ما يقدم واضعاً في الاعتبار المرحلة التي يمر بها، ومتأملاً التغيرات الاجتماعية والسياسية من دون أن ينسى أننا في بداية ألفية جديدة وقرن جديد. أعتقد في هذه الحالة ان الجمهور سيعود لمشاهدة عادل إمام، وربما يغفر له هاللو أميركا لأن الجمهور في نهاية الأمر يحب عادل إمام ويحترم تاريخه وفنه.