لا تزال "الوثيقة السرّية" الموجودة في سورية في شأن العلاقة المزعومة ل "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" بحادثة تفجير طائرة "بان أميركان" فوق اسكتلندا سنة 1988، تؤخر سير محاكمة الليبيين المتهمين بهذه الكارثة الجوية الأكثر سوءاً في تاريخ بريطانيا. فما هو فحوى هذه الوثيقة - اللغز؟ أكد الدكتور طلال ناجي، الأمين العام المساعد ل"الجبهة الشعبية - القيادة العامة" التي يتزعّمها السيد احمد جبريل، ان الجبهة لا علاقة لها بتفجير طائرة "بان أميركان" فوق لوكربي الاسكتنلدية في العام 1988، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل 270 شخصاً. لكنه أقر، في اتصال معه أجرته "الحياة"، بوجود "تقرير يُثير شكوكاً" عن علاقة خلية ل"القيادة العامة" في المانيا بحادث الطائرة الأميركية. وقال ان هذا "التقرير" الذي أعدّه أحد الناشطين السابقين في "القيادة العامة" ويُدعى مبدي غُبن، يثير "شكوكاً حول المعدات وأجهزة التفجير" التي كانت في حوزة حافظ دلقموني الذي اعتقل في المانيا "قبل شهرين" من انفجار لوكربي. وكانت أجهزة الأمن الألمانية اعتقلت في عملية "أوراق الخريف" في تشرين الأول اكتوبر 1988 عدداً من أفراد "خلية" تابعة ل"القيادة العامة" وفي حوزة بعضهم أجهزة توقيت لمتفجرات مخفيّة داخل آلات تسجيل من طراز "توشيبا". وكان دلقموني أحد أعضاء تلك الخلية. وجدد ناجي التأكيد ان "لا علاقة للجبهة الشعبية لا من قريب ولا من بعيد بتفجير" الطائرة الأميركية. وأكّد ان عمل "مجموعة أوراق الخريف" ومبدي غبن - الذي يُوصف ب "البروفسور" - كان يتعلق ب "بنشاطات جبهوية موجهة ضد العدو الاسرائىلي في السنوات الماضية". وسُئل ناجي عن "الوثيقة السرية" التي يطلبها محامو الدفاع في قضية لوكربي من السلطات السورية، فأجاب بأنها عبارة عن "تقرير" كتبه غُبن لنفسه وتحدث فيه "عن نشاطاته السابقة خلال وجوده في يوغسلافيا" السابقة بين عامي 1969 و1993، وهي الفترة التي سبقت عودته الى دمشق و"وفاته" فيها. وتوفي غُبن سنة 1996 تاركاً إبناً وإبنة من زوجته الصربية. واشار الى ان "التقرير" وصل الى أجهزة أمنية في عدد من الدول العربية بينها ليبيا. وأضاف ناجي، وهو أحد الذين اطلعوا على "التقرير"، ان ما كتبه غُبن "يثير شكوكاً حول المعدات التي كانت موجودة مع دلقموني" وانه ومعتقلين آخرين "أخذوا أجهزة تفجير، من دون ان يحدد الى أين أخذوها". ويُزعم ان "خلية القيادة العامة" في المانيا أعدّت أجهزة تفجير عدة قبل عملية "أوراق الخريف"، وان بعض هذه الأجهزة "اختفى". ويُحاول محامو الدفاع عن الليبيين عبدالباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة إثارة شكوك في إمكان ان تكون أجهزة التفجير "المختفية" وجدت طريقها الى "طائرة بان أميركان" في مطار فرانكفورت. لكن الامين العام المساعد ل "القيادة العامة" قلل من أهمية ذلك. إذ كشف ان غُبن "كان في دمشق عندما اعتقل دلقموني" في المانيا، قبل شهرين في حادثة لوكربي. وأشار الى ان الدفاع في قضية لوكربي "يحاول اثبات ان جهات أخرى كانت تقوم بعمليات مشابهة" تفجير طائرات من أجل "التشكيك بقيمة الأدلة التي قدّمها الإدعاء أمام المحكمة". واشار الى ان "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" تحاول ان "تفهم" هل للاتصالات الليبية - السورية "علاقة بهذا الموضوع". في غضون ذلك، قال ناطق باسم السفارة البريطانية في دمشق ل "الحياة" ان السفير هنري هوغر اجتمع قبل أيام مع معاون وزير الخارجية السوري السفير سليمان حداد وطلب منه، نيابة عن المحكمة الاسكتلندية الخاصة في كامب زايست هولندا، تقديم "وثيقة سرية" يطلبها الدفاع في قضية لوكربي وفيها مزاعم بضلوع "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بزعامة أحمد جبريل في تفجير الطائرة الأميركية. واوضح الناطق في اتصال هاتفي من لندن ان السفير هوغر "لم يتلق جواباً بعد" من الحكومة السورية، وان دور السفارة لا يتعدى كونه "ساعي البريد" بين المحكمة ودمشق. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية في لندن انه لا يمكنه التحدث عن أي موضوع يتصل بمحاكمة لوكربي، بناء على توصية بهذا الشأن من الإدعاء العام. وكان قضاة محكمة كامب زايست أعلنوا أول من أمس ارجاء المحاكمة الى 8 كانون الثاني يناير المقبل في انتظار تلقي رد من دمشق حول طلب للتعاون القضائي. اختراق "القيادة العامة" وقدّم في الجلسة الأخيرة للمحكمة الموظّف في مكتب التحقيقات الفيديرالي "اف بي اي" ادوارد مرشمان تفاصيل عن عملية الاستخبارات الالمانية في 1988 ضد خلية "القيادة العامة"، وعن لقاء اجراه في مطلع التسعينات مع عميل في الاستخبارات الاردنية قدم اسمه على انه مروان خريسات، تمكن في هذه الفترة من اختراق "القيادة العامة". وقالت وكالة "فرانس برس" ان هذا اللقاء الذي قرئت مقتطفات مهمة منه اثناء الجلسة، يوحي بأن زعيم "القيادة العامة" احمد جبريل، كان متورطاً بشكل مباشر وملموس في تحضير عمليات. إذ ان مروان خريسات الذي رفض المجىء الى كامب زايست للادلاء بشهادته على رغم الحاح الهيئات القضائية الاسكتلندية، أشار في اللقاء مع المسؤول الأميركي الى محادثات اجراها مع احمد جبريل تطرقا خلالها الى امكان استخدام الغراء لاخفاء رائحة المتفجرات. وروى خريسات رويترز كيف ان "القيادة العامة" استغلت اشخاصاً من دون علمهم في زرع قنابل على طائرات، وكيف رصد "متعاون" في المانيا مواعيد رحلات شركات طيران عدة في مطار دوسلدورف ومنها شركة "بان اميركان"، كما نوقش إمكان تفجير رحلة لشركة الخطوط الجوية الايبيرية الى تل ابيب.