لا تختلف تقاليد وعادات شهر رمضان في عمان عن مثيلاتها في الدول العربية. إلا أن بعض التفاصيل تشي باختلافات في مستوى ممارسة التقليد الذي أبرزته تلك الانتفاضة الغذائية التي تبدأ قبل أيام من دخول شهر رمضان ولا تنتهي إلا مع مدفع رؤية هلال شهر شوال. ومع مجيء عيد الفطر الذي يتواصل بانتفاضة أخرى تتمثل في كمية اللحوم التي تستهلكها عائلة ربما لا تكفيها أضحية صغيرة إذا لم تكن الأضحية ثور على الأقل يؤكل نصفه ويخزن نصفه في الثلاجات. أما الفقراء فإنهم لم ولن ينتظروا وراء الأبواب المغلقة في انتظار قطعة لحم فهم يتبارون اكثر من غيرهم لاثبات انهم في مستوى الآخرين وليسوا اقل منهم. وعودة إلى التقاليد القديمة لشهر رمضان التي تتمثل في حالة عناء كبير نظراً لعدم توافر الكهرباء واشتداد الحرارة وغياب جرعة الماء الباردة عن مائدة الإفطار التي لن يكون فيها إلا بضع تمرات وقليل من الماء الموضوع في آنية فخارية تعلق طوال الوقت على جدار أو غصن شجرة لعل الهواء الساخن يحيلها إلى مشروب بارد. وفي القرى التي لم تصلها أعمدة الكهرباء إلا في الثمانينات أو التسعينات، فان قوالب الثلج كانت من الصور المتكررة في كل رمضان والتي يقف الأهالي أمام السيارة التي تحملها صفوفاً في سبيل الحصول على قطع من الثلج توضع في الماء لعله يقرب شهيته من الأنفس المحترقة باللهيب المنبعث من الهواء. وقبل أذان المغرب يتحلق الأهل حول مائدة قد تحمل مع التمر صحن الهريس، وهو من المأكولات الشعبية التي يعرف بها شهر رمضان وفي بعض المناطق. فانه يباع من رجل ما في القرية يسمى الهراس الذي يطبخ كمية كبيرة من الحب في وعاء فخاري كبير يسمى الخرس وينادي عليه بالبوق ليعرف أهل الحارة بنضج الهريس. ويتناول البعض الإفطار في المساجد فيتولى أحد الأعيان إحضار الأكل للصائمين وخصوصاً من المسافرين وجيران المسجد. وقد تتوافر هذه المؤونة من مال المسجد الذي قد يكون من حصاد نخيلات أوقفها فاعل خير للمسجد. ولغياب التلفزيون فانه بعد صلاة التراويح لا يوجد سامر خصوصاً في المناطق الواقعة خارج العاصمة مسقط والتي أيضاً لم تشهد مدنيتها الحديثة إلا منذ ثلاثين سنة، ولأن النوم كان مبكراً فان صلاة الفجر هي الحد البعيد الذي من الممكن النوم حتى أوانه فيما يبدو النهار طويلاً جداً وتزيده حرارة الصيف طولاً على طول وهذا لا يمنع من العمل لتوفير لقمة العيش سواء في المناطق البحرية أو الزراعية. ومع دخول موجات العصرنة في الزمن الحديث فان تلك الحياة تبدو من بعيد كذكريات عتيقة. وفي المدن والقرى فان المنازل حلت عليها أنواع من الأغطية المسماة بالدش، وباتت أفقر العائلات تسامر وجوه الشقراوات في "سي ان ان" و"المستقبل" و"ال بي سي" وغيرها من القنوات التي زادتها موجة المستقبل الرقمي أفقا على أفق. ومعها بات لشهر رمضان معنى مرتبطاً بالجوانب الفنية التي يتم تجهيز أطباقها لرمضان فقط ، من مسلسلات وبرامج وأفلام وكوميديا وما شاءت له المخيلة أن يكون. كل ذلك قلب معادلة الأصالة والمعاصرة رأساً على عقب فأصبحت السهرات عنواناً مهماً في قائمة رمضان. وحتى الفجر تسهر البيوت أمام التلفزيون ضاربة بعرض الحائط الصيحات المنادية بأن شهر رمضان شهر ذكر وعبادة وليس كما هو عليه الحال الآن . وعلى مستوى تقاليد الإفطار فإن الأشياء لم تتغير كثيراً ، وفي المساجد الكبرى فان المئات يتدافعون للإفطار في تلك الجوامع خصوصاً من الجاليات الآسيوية التي تبدو كأنها الوحيدة في المجتمع العماني، خصوصاً في العاصمة مسقط، لأن أصحاب العائلات يفطرون في بيوتهم أما عزاب مسقط فأنهم يفطرون جماعياً في الشقق التي استأجروها في انتظار يوم الأربعاء للرحيل إلى مناطقهم الأصلية، ومنهم من يقطع مئات الكيلومترات يومياً ذهاباً وإياباً للاستمتاع بالطبخات الرمضانية مع الأهل . ولم تعرف أماكن كثيرة من عمان حكاية المسحراتي، لذلك فان النجوم كانت دلالة وقت السحور في الزمن القديم قبل ان تظهر المنبهات والساعات. او قد يصبح السهر حتى الفجر من علامات شهر رمضان. أما عن قائمة الإفطار فان المعادلة انقلبت رأساً على عقب، وبدلاً من التمرات التي كانت في اغلب الأحيان مائدة العائلة فإن العصر الحديث افرز عشرات الأشكال والألوان والتي كأنها لا تباع إلا في النصف الثاني من شعبان وأيام رمضان ومن النادر أن تكون المائدة مثقلة بأقل من خمسة أنواع على اقل تقدير، وبعد أن مر زمن لم تكن المائدة العمانية تعرف فيه اللحوم إلا في الأعياد أو على موائد الأغنياء فان اللحوم صارت ضمن القائمة اليومية للمواطن وساعد على ذلك الدعم الحكومي للحوم المحلية وكثرة المستورد. وفي مساءات العاصمة فان الخيام الرمضانية فتحت أبوابها منذ سنوات قليلة، ومع صوت الشيشة والدخان المتصاعد بطعم التفاح وغيره، ومع الموسيقى والضحكات وجلسات السمر مع أوراق الكوتشينة حتى الفجر فان ليالي رمضان اصبح لها نكهة مختلفة، نكهة يرحب بها الصغار والشباب لكن في قلوب الكبار غصة على المعنى الإيماني الضائع في زحمة الملهيات وفي البال المجتمع التقليدي الذي يفخر بأمسه المتمسك بتقاليده اكثر من حاضره المفرط في عاداته... وسلام على الزمنين.