إلى الصديق الراحل الدكتور ميشال سليمان الأرضُ تنشُرُ موتاها على قَدَرِ لا الأرضُ تبقى ولا ريحٌ على الأثَرِ أيُّ الأَحِبّةِ لم يخضِبْ أنامله دمُ الغرابِ ولم يصبحْ على سَفَرِ؟ هَبّتْ علينا شمالٌ ما تدفئنا غبراءُ مقسومةٌ من ظلمة الحُفَرِ وأنتَ فينا سليمانُ الذي رفَعَتْ كرسيَّهُ الطيرُ فوق الغيمِ والمطرِ نُلقي على الليلِ شمساً غيرَ شاحبةٍ ونستبدُّ بأصلِ النارِ في الشَجَرِ النارُ أقدامُنا والريحُ جائعةٌ فإنْ نَسِرْ فعلى قوسينِ من خَطَرِ حتّى عَبَرْنا على خيلٍ مسوّمةٍ بابَ الشمالِ وجِزنا دارةَ الغَجَرِ وأسلمتنا منافينا إلى قَدَرِ يمشي على قَدَرٍ يمشي على قَدَرِ لم تَهْرمِ الخَيْلُ لكنْ في حوافرها من المسافةِ بعضُ الوّهْنِ والخَدَرِ كم ذا تركنا على خطّ الرحيلِ دماً من أوّل الضوءِ حتّى آخر السَهَرِ فأشعلتنا منافينا فملتهبٌ من الصبابةِ يلقيها لمستعِرِ سيفُ اللهيبِ على أكتافِنا كُرَةٌ وللصليبِ نزيفٌ غيرُ مستترِ فكلما عَصَفَتْ ريحٌ بساحتها بكى الغريب وسالت دمعةُ المطرِ يا شاعرَ الألمِ الكونيِّ معذرةً إنْ كنتُ جئتُكَ من قابينِ من سَقَرِ أنا الشقيُّ بما يزهو الأنامُ بِهِ وغُصّتي نَشْوتي في العابِرِ النَضِرِ أدقُّ بابَكَ لا بابٌ لأقرعه ولا يدي سَلِمت من قبضةِ القَدَرِ هذي ديارُكَ أدنى من منازلنا وها دموعُكَ أصفى دمعِنا العَكِرِ أَتيتُ أحمل غيماً ثم أنشرُهُ كناشرِ الماءِ في وادٍ من الشَرَرِ وَجَدْتُ أنّي أنا المنفيّ في جَسَدي وأنت تدخلُ في غابٍ من الصُوَرِ مالَتْ بكَ الأرضُ في سبعين عاصفةً وبعضِها ثم عادَتْ أوّلَ العُمُرِ كأنّ غصنَكَ لم يبرحْ طراوته وأنّ أرضكَ دارَتْ ثُمَّ لم تَدُرِ وأنّ جسمك، محمولاً على خَشَبٍ، كَمِثْلِ شِعْرِكَ مشدوداً على وَتَرِ مالتْ بكَ الأرضُ حتّى ملتَ أنتَ بها كحامل الصخرِ في وادٍ من الحَجَرِ حَمَلْتَ صَعْدَكَ فانهضْ للسماءِ بِهِ فمنطقُ الطيرِ يغنينا عن الخَبَرِ أيُّ الرسائلِ أدنى منكَ في زَمَنٍ تشكو الخيولُ بِهِ في مصرعِ القَمَرِ على الكنائسِ شمسُ الله شاخصةٌ وفي البساتين أشلاءٌ من البَشَرِ حتّى إذا أينعتْ فينا مواسمنا كانت ثمار دمانا أوّل الثَمَرِ دمُ السماءِ طريٌّ في مساربنا ودمعُ مريمَ أغلى آيةِ الدُررِ كم ذا نفصّلُ أكفاناً ونلبسها كأنّ أطفالنا وعدٌ مع الخَطَرِ كأنّ أوّل هذا الدهرِ آخرهُ وأنّ أجمل ما فينا إلى الحُفَرِ وأنّ وجه أمانينا كدائرةٍ في صفحة الماءِ يُلقى فيه بالحَجَرِ. بيروت 29 /11 /2000 إشارة ودليل: - العنوان: "هبّت علينا شمالٌ ما تدفّينا". من موّال شعبي. - "النار والأقدام الجائعة" و"رثاء الخيول الهرمة" مجموعتان شعريتان لميشال سليمان. - "سيف اللهب" هو اسم مجموعة شعرية ومختارات لبابلو نيرودا، قام بنقلها إلى العربية، ميشال سليمان. * شاعر لبناني.