حين سئل الرئيس حسني مبارك قبل الانتخابات البرلمانية الاخيرة عن حجم وموعد التغييرات التي سيجريها على المواقع المهمة في الدولة وعلى رأسها الحقائب الوزارية، اوضح أن التغيير الوزاري مرتبط بالاستفتاء على رئاسة الجمهورية وليس بالانتخابات البرلمانية. لكن مبارك أجاب عقب الانتخابات عن سؤال بشأن النتائج التي حققها مرشحو الحزب الوطني الحاكم قائلاً: "سنعيد ترتيب البيت من الداخل". ويبدو أن ذلك هو ما يحدث حالياً في مصر بهدوء وبعيداً عن الضوء أو اسلوب الصدمات المفاجئة الذي لم يعهده المصريون من رئيسهم منذ تولي مقاليد الحكم العام 1981. وعندما عهد مبارك عقب الاستفتاء الاخير قبل نحو 14 شهراً الى الدكتور عاطف عبيد تشكيل الحكومة كانت كل الاوساط تهيأت لتلقي خبر استبعاد الدكتور كمال الجنزوري. فالصحف القومية مهدت الطريق بحملة على الجنزوري جعلت امر إبعاده غير مفاجئ. ويبدو أن المصريين تهيأوا بالفعل لاستقبال التغيير المقبل من الجهة التي لا يتوقعون أن يأتي منها كل مرة، فهم اعتادوا أن يعدل الحزب الوطني اوضاعه بعد كل تغيير وزاري، فيخرج من تشكيلاته الوزراء الذين تركوا مواقعهم ويسكن الوزراء الجدد في مواقع حزبية حتى لو لم يكن لأي منهم أي علاقة بالجهات قبل أن يصبح وزيراً. ومنذ بداية العمل بالنظام الحزبي في مصر في النصف الثاني من السبعينات حين كان حزب الحكومة يحمل اسم "حزب مصر" وحتى بعدما أسس الرئيس الراحل انور السادات "الحزب الوطني" كانت التغيرات في الحكومات المتعاقبة تأتي دائماً قبل أي تعديل في الحزب الحاكم. والمؤكد أن نتائج الانتخابات الاخيرة التي جرت للمرة الأولى تحت الإشراف الكامل للقضاء في عمليات: الاقتراع وفرز البطاقات واعلان النتائج مثلت هزة للنظام الحزبي في البلاد. فالنتائج التي حققتها الاحزاب الاخرى لم تكن بحال افضل من "الوطني" حتى بدت جماعة "الاخوان المسلمين" التي لا تحظى بكيان قانوني شرعي كأنها التنظيم الوحيد الذي خرج منتصراً من الحركة الانتخابية، بحصولها على 17 مقعداً رغم ما عاناه مرشحوها من اجراءات أثّرت في قدرتهم على المنافسة. وكان لافتاً أن مبارك طالب كل الاحزاب بتقويم نتائج الانتخابات، وأصر في خطابه الاخير في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة على تأكيد أن حديثه موجه إلى "الاحزاب الشرعية"، ما يشير الى أن التعاطي مع "الاخوان" مستقبلاً لن يشهد أي تغيير. لكن الامر نفسه لن ينطبق على الحزب الوطني فهناك لجنة شكلها الحزب للبحث في اسباب فوز 39 في المئة فقط من مرشحيه الرسميين وسقوط عدد غير قليل من رموزه بينهم أمناء في المحافظات. ورغم أن عملية التقويم تتم في سرية تامة فإن المعلومات التي تسربت عن الاجتماع الاخير للأمانة العامة للحزب كشفت عن وجود جناحين داخله الاول يقوده الامين العام للحزب الدكتور يوسف والي وأمين التنظيم السيد كمال الشاذلي، وهو يرى أن نتائج الانتخابات لا تمثل هزيمة للوطني طالما أن الحزب حافظ على الغالبية الكاسحة في البرلمان بعد ضم النواب الذين خاضوا الانتخابات كمستقلين لأنهم "أبناء الحزب". اما الجناح الثاني فيتبنى وجهة نظر مخالفة تقوم على أن ما حدث يستوجب معالجة اوضاع الحزب وتطوير استراتجيته وتحويله الى حزب حقيقي مرتبط بالجماهير. واللافت أن السيد جمال مبارك كان على رأس من يتبنون وجهة النظر تلك. والمؤكد أن ما حدث في الجلسات الاجرائية للبرلمان الجديد دعمت الاتجاه المطالب بالتغيير. فحصول نائب الوفد الدكتور أيمن نور على 156 صوتاً حين رشح لموقع وكيل مجلس الشعب، وكذلك حصول النائب الناصري حمدين صباحي على عدد أكبر من الأصوات التي حصلت عليها مرشحه الوطني فايدة كامل في الجولة الاولى لانتخابات لجنة الثقافة والإعلام في المجلس عكس حال الانفلات وعدم الانضباط بين نواب الوطني انفسهم الذين لم يلتزموا تأييد مرشحي الحزب. وكل نظام يستند إلى اعمدة فإذا رأى ان اعمدته اصابها خلل لن يتوانى عن تغييرها. وخلال السنوات الماضية كان والي والشاذلي من مزايا نظام الحكم في مصر لكن وقائع الانتخابات ونتائجها قد ترجح الاعتقاد بأنهما لم يحققا نتائج مبهرة وأنهما كانا في مقدمة المصطدمين بالجيل الجديد الراغب في التغيير والتطوير داخل الحزب والحكومة، خصوصاً أن ذلك الجيل يمتلك قنوات جيدة مع رجال الاعمال سواء الباحثين منهم عن دور سياسي ممن خاضوا الانتخابات وصاروا نواباً أو هؤلاء الراغبين في دور أكبر في اللعبة السياسية من البعيدين عن بؤرة الضوء التي تسلط دائماً على عدد قليل من رجال الاعمال، ولأن غالبية التغيرات والتعديلات الحكومية التي جرت في عهد مبارك استندت إلى اسباب اقتصادية فإن بعضاً من المشكلات المالية والاقتصادية في عهد حكومة عبيد تزيد من احتمال ارتباط التغيير المقبل بما هو سياسي واقتصادي في آن.