أودع جان - كويستوف ميتران نجل الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، سجن لا سنتيه الباريسي أمس، بتهمة تقاضي عمولات على صفقات أسلحة الى دول افريقية. وانضم بذلك الى قافلة الوزراء والنواب ومسؤولي الأحزاب الذين انتقلوا من أروقة قصور الجمهورية الفرنسية الى سجونها، لتورطهم في فضائح مالية. ويأتي اعتقال ميتران الابن، في اطار تحقيقات يتولاها القاضيين فيليب كوروا وايزابيل بريفو - ديبري، في شأن مبيعات أسلحة قامت بها شركة "برنكو انترناشونال" التي كان يديرها بيار فالكون، الى دول افريقية عدة في مقدمها انغولا، وذلك بالتواطؤ مع شخصيات فرنسية نافذة. وأفادت المعلومات المتوافرة لدى القضاء ان ميتران الذي شغل منصب مستشار رئاسي للشؤون الافريقية بين عامي 1973 و1981، عندما كان والده رئيساً للجمهورية، استخدم موقعه لتسهيل صفقات الأسلحة التي قامت بها "برنكو" لقاء عمولات بلغت حوالى 8.1 مليون دولار. وخلال التحقيقات التي أجريت معه أول من أمس، أوضح جان كريستوف ميتران، ان "برنكو" كانت تدفع له هذه العمولات في حساب مصرفي في سويسرا وأنه كان يوظفها في الأسواق النفطية. وباعتقال ميتران، يشتد الطوق حول وزير الداخلية الفرنسي السابق شارل باسكوا ومعاونه السابق الذي يشغل حالياً منصب نائب في البرلمان الأوروبي جان - شارل ماركياني، اللذين كانت لهما شبكة علاقات واسعة النطاق في الدول الافريقية. وانتماء باسكوا وماركياني الى اليمين الفرنسي، لم يحل دون قيام تعاون وثيق بين شبكتهما الافريقية وشبكة جان - كريستوف ميتران اليساري، وتحولهم الى ما يشبه المندوبين لحساب الشركات الفرنسية، في القارة الافريقية. لذا فإن اهتمام القضاء الفرنسي منصب حالياً، على الكشف عن الدوافع التي جعلت مؤسسة "سوفريمي" التي تبيع أسلحة لحساب وزارة الداخلية الفرنسية، توافق في فترة تولي باسكوا لهذه الوزارة، على مبيعات قامت بها "برنكو" من دون الحصول على الأذونات المسبقة المعتمدة في هذا المجال. وكانت الشرطة الفرنسية دهمت في وقت سابق من الشهر الجاري، مقر حزب "التجمع من اجل فرنسا" الذي أسسه باسكوا منذ انفصاله عن حزب "التجمع من اجل الجمهورية" الديغولي كما دهمت مقر اقامة ماركياني واستجوبته. وكانت الشرطة الفرنسية، عثرت اثر دهم مقر شركة "برنكو انترناشونال" على لائحة بأسماء المتعاونين معها في مجال مبيعاتها الافريقية، ضمت اسم المدير السابق لاذاعة مونتي - كارلو جان - نويل تاسيز والكاتب جان - لو سوليتزر، وهو مليونير، تقاضى عمولة قيمتها مليوني فرنك، لقاء صفقة مبيعات شاحنات روسية الى الكونغو، ومن المرجح انه سيودع السجن بدوره. أما الشخصية الأكثر غموضاً في اطار هذه القضية فهي رجل أعمال روسي الأصل، يدعى اركادي غابداماك ويحمل جنسيات متعددة احداها اسرائيلية، وزود "برنكو" بأسلحة روسية متنوعة تضمنت مقاتلات وقاذفات صواريخ واصدر القضاء الفرنسي مذكرة اعتقال دولية بحقه. وصرح المحامي جان - بيار فيرسيني - كابينشي الذي يمثل جان - كريستوف ميتران، انه يعتزم التقدم بطلب لإخلاء سبيل موكله، الذي يشكل اعتقاله دليلاً اضافياً على النفوذ المتزايد للقضاء الفرنسي الذي بات يمثل سلطة مستقلة تماماً، وعازمة على المضي حتى النهاية في تطهير الطبقة السياسية الفرنسية من الفساد، بعيداً عن أي ضوابط. وكانت الشخصيات الفرنسية المختلفة التي اقامت في السجون، ومعها الوزيرين السابقين برنار تابي وجيرار لونفيه وغيرهما، وصفا تجربتهما في الحجز بأنها مؤذية، ان لم تكن مدمرة. وهذه التجربة تشمل اليوم الابن البكر لميتران الذي لم يحظ يوماً باحترام الكثيرين له، بل احتمى وراء الشخصية القوية لوالده، وبات اليوم مصدراً لفضيحة جديدة تندرج في سياق سلسلة الفضائح التي التصقت باسم الرئيس الراحل، وبينها قصة ابنته غير الشرعية مازارين، والكتاب الصادر عن طبيبة ويؤكد انه كذب على الفرنسيين حول حاله الصحية طوال مدة ولايتيه الرئاسيتين، اضافة الى استعانته بمنجمة فرنسية لحسم أمر مشاركة القوات الفرنسية في حرب الخليج.