استراتيجية المصالح، وتوسيع دائرة التعاون الاقتصادي، وتنسيق المواقف السياسية، وبعض الشؤون الفنية العسكرية، ابرز سمات جولة النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي وزير الدفاع والطيران الأمير سلطان بن عبدالعزيز، والتي شملت اخيراً اربع دول آسيوية هي الصين، كوريا الجنوبية، ماليزيا اضافة الى كازاخستان. ويقول المراقبون في المنطقة ان كل دولة من الدول الاربع تبحث عن علاقات متطورة مع السعودية لأسباب غير خافية، بالقدر الذي تسعى السعودية الى تأمين مصالحها وفق الاستراتيجية التي بنيت عليها الزيارات المتتالية لاركان القيادة الى كثير من دول العالم خلال السنوات الاخيرة. يضاف الى ذلك استكمال رسم استراتيجية المصالح وفق الرؤى السياسية العالمية ومتغيراتها وبما يخدم مصالحها الاساسية. يقول الأمير سلطان: "الاتجاه الى الشرق ليس بالضرورة تغييراً في المواقف ولكنه تنويع وتوسيع لقاعدة الاستثمار". ولكن السؤال عن اهداف الزيارة يتردد في كل الدول التي زارها. ويصف الأمير سلطان جولته بإنها مكملة للرحلات التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في شهر ايلول سبتمبر واوائل تشرين الاول اكتوبر الماضيين في اميركا الجنوبية في اعقاب جولة شملت الولاياتالمتحدة الاميركية واوروبا وعدداً من دول آسيا. هذه الجولات المتتالية والتي تشمل اكثر من قارة وبهذا المستوى من المسؤولية تثير التساؤلات حول المغزى في اطار حركة السياسة الخارجية السعودية؟ وعلى رغم التحفظ الشديد في اعلان اهداف هذه الجولات ونتائجها مستقبلاً فان المراقب يمكن ان يخرج بعدد من الاهداف والنتائج والتي تتمثل في الملاحظات التالية: اولاً - تعد توسيعاً لدائرة العلاقات السعودية الخارجية في شكل غير مسبوق، ويروق لبعض المراقبين المقارنة بينها والجولة الكبيرة التي قام بها في الستينات الملك الاسبق فيصل بن عبدالعزيز في عدد من الدول العربية والافريقية والاسلامية لحشد التأييد للمؤتمر الاسلامي. وظلت العلاقات السعودية الخارجية تركز فترة طويلة على العالم العربي والاسلامي ودول اوروبا واميركا الشمالية. وللمرة الاولى تتم زيارات على هذا المستوى لدول مثل دول اميركا اللاتينية وماليزيا وكازاخستان. ثانياً - ظل الاقتصاد ركيزة اساس فيها لأنها شملت دولاً كبرى، لها او يتوقع ان يكون لها دور اقتصادي كبير في النظام الدولي الجديد والذي بدأت خطواته منذ تسعينات القرن الجاري بالصبغة الاقتصادية. كما ان احد شروط الاندماج فيه بناء شبكة علاقات اقتصادية قوية مع مختلف دول العالم بما يعضد فكرة الاعتماد المتبادل وحرية تداول السلع والخدمات ورؤوس الاموال التي يقوم عليها الاقتصاد الدولي في الفترة الحالية والمستقبلية. ثالثاً - ان عدداً من الدول التي شملتها زيارات المسؤولين السعوديين هي دول من الجنوب وتتشابه في ظروفها الاقتصادية مع السعودية، ما يعني الاستفادة من تجاربها في عملية التنمية من جانب، او تحسين شروط التعامل مع دول الشمال الغنية حتى لا تفرض صيغة معينة تتعارض مع المصالح السعودية وتوجهاتها من جانب آخر. في هذا الاطار جاءت جولة وزير الدفاع الأمير سلطان بن عبدالعزيز الى الصين، كوريا الجنوبية، ماليزيا وكازاخستان... فالصين دولة كبرى ولها دور اقتصادي حيوي حالياً وفي المستقبل، خصوصاً ان التقارير الاوروبية وغير الاوروبية تشير الى ان الصين، التي تشهد حالياً تطورات غير مسبوقة على الصعيد الاقتصادي، مرشحه لبلوغ مرحل متقدمة جداً في المراكز الاقتصادية العالمية، وهي تشهد حالياً مراحل الاندماج الاولى في الاقتصاد الدولي بعد توقيعها اتفاق شراكة مع الولاياتالمتحدة الاميركية في شهر تشرين الثاني نوفمبر 1999، واقره الكونغرس الاميركي بمجلسيه في ايار مايو وتشرين الاول الماضي. وهذا الاتفاق يسهل انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية، كما ان زيارة شيراك الاخيرة للصين الشهر الماضي ستساعد على الاندماج الكامل للصين في آليات النظام الاقتصادي العالمي الجديد، اضافة الى انها أسست بالتعاون مع الدول الافريقية مجلساً يركز على النواحي الاقتصادية تبحث فيه الصين ومن خلاله عن موطئ قدم في القارة السوداء بأسلوب متطور، لذلك فإن التحرك السعودي تجاه الصين جاء في توقيت جيد للتعاون معها اقتصادياً، فالصين في حاجة الى مضاعفة متطلباتها من النفط للسنوات المقبلة بكميات ربما تتجاوز اربعة اضعاف المعدل الحالي. ولدى السعودية القدرة على تأمين حاجة شركائها واصدقائها المتزايدة من النفط الخام باحتياطات جعلتها في مقدم الدول الاكثر انتاجاً واحتياطاً ايضاً. ويقول السفراء العرب على هامش لقاءات الأمير سلطان في الصين ان السلطات الصينية تبذل جهوداً في اتجاه توسيع قدراتها الاقتصادية نحو مراكز الجذب الرئيسية في العالم العربي من خلال تقديم تقنيات متخصصة في المقام الاول لمجموعة من الدول التي تبحث تعزيز قدراتها الذاتية. اضافة الى المساهمة في زيادة رؤوس الاموال للمشاريع الصناعية غير التقليدية. ويعترف السفراء ان تطور العلاقات العربية مع الصين تأخر كثيراً ولكنه منظور حالياً خصوصاً مع الدول العربية الرئيسة. ويقول السفير الصيني لدى الرياض sike Bu "قدمنا لبعض الدول العربية تقنيات متقدمة للمشاريع اليومية والملحة باسعار خيالية قياساً باسعار الدول الصناعية الاخرى ونحن جادون". وقال سعوديون ان السعودية تدرس مشروعاً صينياً متكاملاً حول تحلية مياه البحر يعد متقدماً جداً لجهة التقنيات المتخصصة التي تماثل وتضاهي في اجزاء محددة مثيلاتها الغربية. يذكر ان السعوديين توصلوا مع الصين لاتفاق بخصوص استقدام فرق تمريض مؤهلة للعمل في المستشفيات السعودية اعتباراً من العام المقبل. اما كوريا الجنوبية فهي دولة كبيرة اقتصادياً وتعد مرتكز عمليات شراء وتوزيع البتروكيماويات الى الشرق. والسعودية تدرس تطوير عمل المكتب التمثيلي لشركة الصناعات الاساسية سابك الى شركة تابعة او شقيقة في اتجاه للتوسع الافقي، وزيادة حصصها من المنتجات البتروكيماوية التي تعتمد عليها دول الشرق كافة اضافة الى المنتجات الاخرى المتوقع زيادة الطلب عليها في الفترة المقبلة، ومن النتائج الايجابية لزيارة كوريا وجود اتجاه للتعاون الصناعي العسكري التقني وهو ما يفتح المجال واسعاً باتجاه تنويع مصادر التسلح. اما ماليزيا، وهي وان خطت خطوات متقدمة في الصناعة والتنمية الا انها ترحب بالتعاون مع السعوديين على الصعد كافة من منطلقات اسلامية، وسيعلن قريباً عن مواقف مشتركة في اتجاهات مختلفة بين البلدين اضافة الى عدد من المشاريع المشتركة المتقدمة. كازخستان هي ثاني اكبر دول الكومنولث التي استقلت من الاتحاد السوفياتي بعد روسيا الاتحادية، وتعد هذه الدولة الغنية بالموارد الطبيعية مفتاح الوصول الى آسيا الوسطى لما تتبعه من سياسة ديناميكية في هذه المنطقة التي تضم دولاً اسلامية، ولموقعها الحيوي بين الصينوروسيا وسعيها للتوازن الاستراتيجي بين العملاقين الآسيويين، والى اقامة اتحاد اوروبي - آسيوي يكون بديلاً عن الوضع الراهن، وهي تشرف على بحر قزوين الذي حظي بأهمية اقتصادية في العلاقات الدولية خلال السنوات الماضية. ومن المتوقع ان يكون لكازاخستان دور مستقبلي في عملية التوازنات التي يتم رسمها في منطقة آسيا الوسطى التي تشهد تدخلات قوى كبرى عالمية واقليمية. ولكنها تحتاج فعلياً الى بعض الوقت من اجل ارساء دعائم الدولة من جانب، وايجاد الأطر العامة للتعاون بعيداً عن المؤثرات الجانبية، حتى وان حظي المسؤول السعودي فيها باهتمام خاص جداً من اركان القيادة الكازاخستانية. ويبقى الشرق استراتيجية التغيير والتنويع للسياسة السعودية مع الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع الاصدقاء والحلفاء الغربيين.