كشفت الفوضى السياسية العارمة وحال الهرج والمرج التي اجتاحت "ميدان الديموقراطية" في إسرائيل الكنيست من جديد زيف اللعبة الديموقراطية التي تغنت بها إسرائيل وتبجحت بأنها "واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط". ولم يعد انتقاد هذه الديموقراطية حصراً على المواطنين العرب المستثنين أصلاً من هذه اللعبة، "فالديموقراطية في إسرائيل عرقية وانتقائية وعليه فهي منذ البداية مصابة بقصور أدائي وبتشوه خلقي. هي ديموقراطية يهودية أو ديموقراطية لليهود فقط"، كما يعرّفها الكاتب مرزوق حلبي. كما لم يعد القلق على مصير هذه الديموقراطية يساور أوساط اليسار الإسرائيلي فحسب، فها هو واحد من كبار رجالات الأمن في إسرائيل عامي ايالون - الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الشاباك يدعو المجتمع الإسرائيلي الى مناقشة الديموقراطية التي يريدها بشكل مستفيض والحسم الواضح في مسألة الهوية والنموذج الديموقراطي الملائم لإسرائيل "لأن النموذج الحالي قائم على الابرثايد التمييز العنصري". وبحسب الكاتب حلبي، يجب الانتباه الى حقيقة أنه ليس لإسرائيل دستور صريح ينظم العملية السياسية ويحل إشكالاتها "وعندما حاولت المحكمة العليا لعب دور المرجعية الدستورية، رأينا البرلمان أو أوساطاً فيه تحاول محاصرة هذه المحكمة والحدّ من تدخلها... واليوم باستطاعة كل غالبية برلمانية طارئة أن تشرع القانون الذي تريد أو تعدّل اي قانون لا يروق لها". ويضيف أن نظام الحكم القائم في سيولة تعززها حال الطوارئ الدائمة المعلنة كجزء من الواقع الإسرائيلي "بحجة التواجد في محيط عدواني". ويرى المؤيدون لإلغاء الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة المعمول به منذ 1996 أن من شأن الإلغاء أن يعيد بعض الاستقرار للحياة السياسية وللبرلمان، كما للحكومة. فالتصويت ببطاقتين، واحدة لرئيس الحكومة وأخرى للأحزاب، عززّ من قوة الأحزاب الصغيرة. ففي الكنيست الحالية 20 كتلة برلمانية غالبيتها العظمى تمثل قطاعات وفئات: متدينون أصوليون ومتدينون معتدلون، شرقيون وأشكناز، علمانيون ومتدينون، مهاجرون وقدامى، يهود وعرب فلسطينيون... ويسعى كل قطاع الى تحقيق مكاسب وإنجازات تخدم مصالحه ويشترط الحصول عليها إذا ما دخل الائتلاف الحكومي أو طُلب منه دعمه، ومن هنا فإن التناقضات الجمة داخل الائتلاف تحول دون استمراره أربع سنوات. وتحذر النائبة السابقة شولميت الوني ميرتس من خطر انهيار الديموقراطية إزاء البلبلة الحاصلة، وتشير أساساً الى مساعي التيار المتدين للمس بمكانة محكمة العدل العليا "وهي عنوان الديموقراطية في إسرائيل". ففي غياب دستور للدولة يضمن المساواة أو حريات الفرد تبقى المحكمة العليا، وفق حديث ألوني الى "الحياة"، ملاذ الفرد لمنع المس بحقوقه. وتحذر ألوني من أن استمرار طريقة الانتخابات الحالية ببطاقتين قد يؤدي الى انفراد رئيس الحكومة المنتخب بقيادة أمور الدولة على نحو ديكتاتوري في ما تلهو الأحزاب بتحقيق مكاسب ذاتية"وفي مثل هذا الوضع لا أستبعد نهاية حكم البرلمان - الشعب - في إسرائيل". ويرى الدكتور ايلان بابي المؤرخ والمحاضر في جامعة حيفا ومن أبرز المناهضين للصهيونية أن ظاهرة عدم استقرار الحكم في إسرائيل تعود أساساً الى وجود تعادل سياسي بين "العمل" و"ليكود"، "ونحن عملياً أمام جمهورين واحد يميني ومتدين وقومي وأقل ديموقراطية وآخر، بمفهوم إسرائيل، يساري أكثر ليبرالية وعلماني. وهذان الجمهوران لا يستطيعان العمل ضمن حكومة مشتركة". ويضيف بابي أن الصراع القائم منذ أوائل التسعينات بين العلمانيين والمتدينين يزيد الشرخ في المجتمع الإسرائيلي ويبعد المعسكرين عن بعضهما "وإذا ما حصل اتفاق سلام فإن هذا الصراع سيتعمق أكثر وإسرائيل ستكون على مفترق طرق: هل تكون علمانية أم أصولية؟". ويؤكد أن أية انتخابات جديدة لن تحل مشكلة إسرائيل، وأية حكومة لن تصمد طويلاً "فمتطلبات السلام واضحة. وحتى إن وجدت مساومة فسيبقى من يطالب باستيفاء شروط العدالة وهذا يعني استمرار النزاع في المنطقة. وأمام هذه المعادلة فإن الكنيست الإسرائيلي ما زال يكبل نفسه بالقوانين العنصرية التي تثبت حال الاحتلال خصوصاً في القدس والجولان السوري المحتل ويفرض القوانين التي تمنع أو تبعد العرب الفلسطينيين في إسرائيل من مركز صنع القرار في حال عرض أي استفتاء شعبي لإقرار اتفاقات سلام".