30 أو 40 سنتاً اضافياً لبرميل النفط العراقي، لا فرق ما دامت بغداد راكمت في حساب عائدات برنامج "النفط للغذاء" نحو 11 بليون دولار، ولكن في يد الاممالمتحدة. اختفت الجنازات الجماعية للاطفال ومعها مصطلح "نفق الحظر" الذي استتبع على مدى سنين وعوداً غربية واميركية خصوصاً، لتشجيع العراق بمكافأة رفع العقوبات في حال اثبت "حسن سلوكه". وهو اذ نجح في تحدي الحظر في الفضاء، وأنهى من "مطار صدام" عزلته عن العالم، يستعجل اختبار تحدي "الوصاية" الدولية على عائداته النفطية. فهل ينجح أيضاً؟ واضح ان بغداد تشجعت بمواقف الروس والفرنسيين من الحظر الجوي، وسجلت هدفاً كبيراً في مرمى التحالف الاميركي - البريطاني، مستفيدة خصوصاً من تبدل المناخ الاقليمي بعدما تعب الجميع من ذكريات حرب الخليج ومضاعفاتها. في المقابل، تبين أخيراً، منذ زيارة نائب رئيس الوزراء طارق عزيز لموسكو ان استعادة العراق زمام المبادرة تصطدم مجدداً بقراءة ليست واقعية للخطوط الحمر. صحيح ان بعض الصواريخ العراقية على طائرات التحالف الاميركي - البريطاني، وحدها تذكّر بأنه يتمسك بمنطقتي الحظر في الشمال والجنوب، لكن الصحيح ايضاً ان بغداد تبني مبادرتها الجديدة لرفع وصاية الاممالمتحدة عن عائداتها النفطية، على مظاهر "الملل" الاميركي من التصدي للرئيس صدام حسين، ومحاولاته تجاوز الخطوط الحمر للحظر، التي رسمت في صفوان بعد تحرير الكويت. والفارق كبير بين تفكيك العزلة في الفضاء، ووضع اليد على أموال النفط التي ربطت قرارات مجلس الأمن الاشراف عليها بمنع بناء ترسانة الأسلحة العراقية المحظورة. ثبت ذلك من خلال رد فعل الاممالمتحدة على سعي بغداد الى وضع يدها على حساب موازٍ تجمع فيه 30 - 40 سنتاً عن كل برميل نفط. مبادرة فاشلة؟... الأكيد ان تكتيك الضربات المتتالية على سقف الحصار، والذي يعتمده العراق منذ شهور، اصطدم بمواقف "الأصدقاء" الروس والفرنسيين قبل مواقف "الاعداء". بدأ ذلك منذ تلقفت القيادة العراقية رسالة واشنطن، على لسان وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت التي استبعدت الخيار العسكري مع صدام ولو واصل "رفض الامتثال" للقرارات الدولية، وانتقدت معارضيه الذين "لا يعوّل عليهم في تغيير نظامه". لكن الارتباك الذي طغى على زيارة طارق عزيز لموسكو، حاملاً رداً على افكار الكرملين لإنهاء أزمة العراق، كشف ان بغداد فوجئت بتمسك الاصدقاء ايضاً بالخطوط الحمر، شأنهم شأن الاميركيين. فتبريد التحالف المواجهة العسكرية جواً في الجنوب والشمال شيء، واعادة المفتشين لمراقبة التسلح شيء آخر، لا تختلف عليه موسكو وباريس وواشنطن. وربما يفسر ذلك الحملة الاعلامية العراقية على "تردد" فرنسا و"تبعيتها" لسياسة الولاياتالمتحدة. كان أقصى ما وعدت به موسكو ان تمتنع عن تطبيق الحظر اذا أعلن صدام موافقته على القرار 1284 وقبل بإعادة المفتشين، لكن بغداد التي تراهن على دعم روسي واسع في تفكيك الحظر، قبل ايام من بدء الحوار الشامل مع الاممالمتحدة، لم تجد في العرض الروسي شيئاً مغرياً، حتى مقارنته بعرض بريطانيا الانفتاح، وحواراً بالواسطة... شرط عودة المفتشين. هؤلاء، اذا عادوا لن يكون لمهمتهم أي جدوى من دون رقابة على أموال العراق، تمدد الوصاية. وحين يذهب طارق عزيز الى نيويوك لبدء الحوار مع الأمين العام كوفي انان، مطلع عام 2001، سيجد ان الأخير يراهن على دعم "أصدقاء" بغداد الخطوط الحمر للحظر، وان تفكيك الحصار في الجو لا يستتبع حتماً انهاءه على الأرض، اما مساعي الروس بين العراقوالكويت فسقفها الأعلى عزل مشكلة التطبيع بين البلدين عن ملف العقوبات. وأصل العقوبات رقابة صارمة على المال والسلاح.