رفع ثلاثة آلاف من رجال الأمن التركي والشرطة مسدساتهم عالياً وصوبوها تجاه مسؤولي حكومتهم وهددوا قائلين: "من خاننا خنّاه"... إنه أول عصيان أمني تشهده تركيا. بدا أمس أن الوضع الأمني في مدينتي اسطنبولوأنقرة خرج عن السيطرة بعدما انهال رجال الأمن والشرطة الثائرون ضرباً مبرحاً على متظاهرين مدنيين طالبوا بإلغاء السجون الفردية، وعلى من حضر من صحافيين ومصورين، بل حاولوا دهسهم بمدرعاتهم ومصفحاتهم من دون رادع أو رقيب. واتضحت فداحة الموقف في اسطنبول حيث بذل رئيس مديرية الأمن كاظم ابانوز جهداً جباراً وهو يستجدي هدوء موظفيه من رجال الأمن الذين ثاروا عليه وعلى الحكومة، متوعدين بالانتقام لمقتل اثنين وجرح 11 من زملائهم في هجوم مسلح تعرضوا له ليلة أول من أمس اثناء عودتهم إلى منازلهم. ويحمّل رجال الشرطة الحكومة مسؤولية ما حدث ويتهمون وزيري الداخلية والعدل بالتخاذل واتخاذ موقف سلبي غير حازم من الجماعات اليسارية التي نظمت اضراباً عن الطعام في السجون، ما زاد من جرأة هذه الجماعات وأعوانها في الخارج، فقامت بتنظيم هذا العمل المسلح ضد رجال الشرطة الذين عبروا عن موقفهم هذا وغضبهم صارخين بصوت واحد "ان الحكومة لا تساوم الخونة" في وجه وزير الداخلية سعدالدين طنطان، الذي حضر لرؤية التظاهرات ولم يسعه سوى أن يوفر كلماته للقاء عاجل جمعه بعد ذلك مع رئيس الوزراء بولنت أجاويد في أنقرة، أكد له خلاله خطورة الوضع، وان رجال الأمن يشعرون بأن الدولة باعتهم للمجرمين وعصابات المافيا بعدما أصدرت عفواً عن 60 في المئة من السجناء، وقبلت اجراء حوار ومساومة مع السجناء اليساريين الذين اضربوا عن الطعام منذ أكثر من شهر. ويبدو أن بركان الغضب الذي انفجر جاء ليعبر عن تدهور الوضع الأمني في السجون التركية التي تسيطر عليها عصابات المافيا والأحزاب اليسارية، إذ تعترف الحكومة بأنها فقدت سيطرتها على عدد كبير من هذه السجون إلا من خلال مداهمات الجيش لها والتي تنتهي عادة بمقتل عدد من السجناء ومن رجال الأمن على حد سواء. لكن الجانبين، السجناء ورجال الشرطة، سئما علاقتهما غير المتوازنة والشروط المعيشية التي تحيط بهم، فيما عجزت الحكومة عن توفير نظام سجون جديد آمن بسبب العجز المالي، واكتفت بإنشاء أربعة سجون على النظام الأميركي، سعياً إلى إلغاء الحبس الجماعي وغرف السجون التي تضم عشرات المساجين، والانتقال إلى نظام السجن الانفرادي حيث لا تجمع غرفة أكثر من ثلاثة سجناء بهدف تفريقهم وعرقلة الاتصال بينهم لمنع قيامهم بأي أعمال ضد مديري السجن. وقد أعلن السجناء اليساريون رفضهم الانتقال إلى هذه السجون وبدأوا اضراباً عن الطعام حتى الموت لإجبار الحكومة على الخضوع لمطالبهم. ويعتقد رجال الأمن ان الهجوم المسلح الذي تعرضوا له ليلة أول من أمس جاء لدعم السجناء واحراج الحكومة، ولذلك فهم يطالبون بعدم المساومة واتخاذ اجراءات حازمة ومشددة ضد السجناء، والحفاظ على أمن رجال الأمن وسلامتهم.